العرب اليوم.. وحلف الأطلسي
د. عبد اللطيف عمران
لاشك في أن مانشهده اليوم من تنسيق رسمي عربي مع دول حلف الأطلسي محكوم بالفشل لتناقضه بنيوياً ووظيفياً مع القضايا الوطنية والقومية، التي دفع العرب في سبيلها تضحيات جساماً وشهداء كثر منذ القرن الماضي ضدّ الأطماع العثمانية والغربية والصهيونية، لذلك هو تنسيق طارئ لن يراهن عليه أحرار العروبة والإسلام، وهو بمنطق التاريخ ساقط عن قريب على الرغم من محاولات تآمرية عديدة لتقويته على نحو ماشهدناه مثلاً بالأمس من لقاء كلينتون المخجل بمجلس استنبول، ومن تصريحات سابقة لرئيس المجلس هي بمثابة وعود ارتهان وارتماء في أحضان المشروع الصهيوني الأطلسي.
لذلك لايملك بعض النظام الرسمي العربي، ولا الجامعة «تحت الوطأة الأردوغانية الحَمَدية المحمومة»، ولا الغرب، مشروعية القرار في مصادرة دور سورية العروبة والتاريخ، هذا الدور العريق والمتجدد في مواجهة الغرب منذ أيام الأمويين والحمدانيين والأيوبيين… الى الآن، فشعار “سورية قلب العروبة النابض” ليس شآمياً، بل هو من مصر العروبة ومن عبدالناصر تحديداً القائد العربي الذي لايُغيّب.
ومن هذا الأفق كان الخطاب السوري الأخير للجامعة العربية منطلقاً من الرهان على «النوايا العربية الطيبة المأمول منها أن تؤدي دوراً هاماً وناجعاً في التنسيق تجاه الوضع في سورية.. لينعكس ذلك إيجاباً على العمل العربي المشترك، ويُعيد للجامعة العربية المكانة والفاعلية التي يطمح إليها كل مواطن عربي»، وهذا خطاب تاريخي يضع العمل الرسمي العربي أمام مسؤوليات كبرى في زمن يعمل فيه الغرب على إقرار خارطة جيوسياسية جديدة لمستقبل المنطقة تتضافر فيها أخطاء الجامعة وتركيا “الحكومة والأداة الأطلسية”.
والجميع اليوم يدرك أبعاد الدور الهدّام الذي تضطلع به وسائل الإعلام ذات التمويل الخليجي في تأجيج الأزمة الداخلية في سورية وغيرها، في إطار حملة محلية وإقليمية ودولية لتمزيق النسيج الوطني والعربي والإسلامي، تمزيقاً لن يؤذي سورية وحدها، بل سينعكس مستقبلاً إرباكاً للشعب وللسلطات، وعلى الثقافة والهوية والانتماء العروبي، وخاصة على الأجيال القادمة التي ستحاسب هؤلاء في وقت قريب، ولاسيما أن هذه الخارطة ستفرض اصطفافاً واستقطاباً جديداً لواقع مريض هو في أقل تقدير نوع آخر من الحرب الباردة التي سرعان ما ستتطور الى مواجهة واحتراب وصراع سيكون زلزالاً حقيقياً.
فهل يستطيع مجلس الجامعة أن يتجاهل هذه الحقائق أولاً، أو أنه لا يجرؤ على مواجهتها ثانياً، أو هو جزء من المشروع الأطلسي ثالثاً؟؟ وهو يمضي في تسرّعه ووعيده، متناسياً أن التدويل خسر جولة سابقة لجهوده، وأن العمل على إسقاط النظام السياسي في سورية ليس جديداً. فعليه ألّا يبدأ من حيث راهن الآخرون وفشلوا.
لقد طال الزمن الذي راهن فيه الغرب على سقوط النظام السياسي في سورية، وتعددت وسائل الرهان التي تجلّى بعضها بشروط كولن باول، وبالمطالبة بتعديل سلوك النظام «أي مبادئه وثوابته الوطنية والقومية»، وقد تطور الاستهداف مؤخراً فتركّز بداية على الحزب والمادة الثامنة، لينتقل الى القيادة السياسية، فإلى الرمز الوطني والعروبي، ليطال الشعب والدولة وقضايا الوطن والأمة، وهنا يكمن مأزق مجلس استنبول في لقائه الانتقائي المأزوم مع كلنتون، فهل ستعمل الجامعة على مساعدة الأطلسي وأدواته في مأزقهم؟
وعلى هؤلاء ألّا يتجاهلوا أن سورية تمضي اليوم بدقة ووضوح في مشروع إصلاح وطني ديمقراطي انتقالي يقوده الرئيس الأسد على نحو سليم وآمن يأخذ بالحسبان أن الأزمة الراهنة ترتبط بعناصر متعددة تجاه مصالح الشعب ومطالبه، وبنية السلطة ووظيفتها، وقضايا الوطن والأمة، ونحو تعديل وتطوير يسمح بتعزيز الحياة الديمقراطية انطلاقاً من توسيع دائرة المشاركة والنقد والتعدد والتنوع والتنافس الوطني الحر، وأن يعلموا أنه لا يمكن إسقاط “قدرة النظام السياسي على الإصلاح”، فما تزال القطاعات الأوسع من الشعب تؤمن بهذه القدرة.
لذلك يُؤمل من العرب شعبياً ورسمياً ضرورة التصدي لهذا التسرّع الرسمي والأطلسي لإقرار خارطة ينتجها تحالف امبريالي صهيوني رجعي يشتد تآمره بوضوح ليس على سورية ودورها الوطني والعربي فحسب، بل على المصالح والقضايا الوطنية والعربية، والإسلامية أيضاً.