حقوق الإنسان.. أم حقوق الأمة؟
د. عبد اللطيف عمران
في الأساس لاتعارض بين حقوق المواطنين، ومصالح الأمة وحقوقها، لكن هذا الأساس يغدو مهدّداً بوجود الأطماع الاستعمارية، وسياسة الأحلاف المفروضة، والتدخل الخارجي، على نحو مايحيط بالدولة الوطنية وبالأمة في الواقع العربي والإسلامي.
وعادة مايتم تغذية الحديث المغرض في هذه المسائل بالتسلل الى بنية المجتمع الأهلي، والعبث بمشاعر الأفراد والجماعات لزعزعة الاستقرار الداخلي، والسلم الأهلي بوسائل تحريض سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية أيضاً على نحو مانعيش الآن.
وفي الوقت الذي أفرزت فيه المتغيرات الأخيرة على الساحة العربية واقعاً سيئاً من حيث ترك زمام صياغة القرار الوطني في أيدي الغرب. وصلت المنطقة الى وصاية من نوع جديد يتمثل في وهم المشابهة في رؤية المتغيرات العربية، وفي التنسيق بين الغرب والإسلام السياسي، وصاية رجعية تعود في مظاهرها الراهنة الى إطار عثماني وغربي تم الانتصار سابقاً عليه في حركات التحرر الوطني والاستقلال العربية.
في هذا الوقت تعمل المركزية الغربية على إزالة العوائق والاعتراضات التاريخية أمام هذا التنسيق والمتمثلة بالقوى الوطنية وبالأحزاب القومية واليسارية، وباستهداف سورية تحديداً: الشعب، والقيادة، والرمز الوطني القائد الصلب والمتفائل والواثق بإرادة الشعب ووعيه، وبحقوق الأمة ومصالحها.
فبعد فشل سياسات الحصار الدبلوماسي، والعقوبات الاقتصادية، والتهديد العسكري، والتآمر والتحريض والفتنة، اتضح لهؤلاء مصداقية الرؤية التي تقول إن «سورية بلد صغير من حيث الحجم، عظيم من حيث التأثير» إذ طالما اقترن هذا الفشل بوجود: قوة البنية التحتية للدولة شبه المكتفية ذاتياً – تماسك مؤسسات الدولة الوطنية – وعي الشعب أهمية وحدته المجتمعية والوطنية والعروبية – جيش وطني عقائدي قوي – حرص وجداني كامن على السلم الأهلي – قناعة شعبية بمأجورية وسائل التحريض والإجرام. وهذه عوامل قوة نادراً مايستطيع أن يحافظ عليها نظام سياسي يجابه سياسات الهيمنة، والقطبية الأحادية، وازدواجية المعايير في المجتمع الدولي.
وواكب الفشل التاريخي والمستمر لمشاريع الغرب في استهداف الدولة الوطنية والعربية في سورية تجديد وسائل ضغط قوى الاستعمار والرجعية والتخلف على العقبة السورية، فطال الصراع على سورية لاحتوائها في منطقة نفوذ الناتو وفشل، وبقيت شبه وحيدة – في أحيان كثيرة – تقاوم أمواج هذا النفوذ ومشاريعه… الأوسطية والمتوسطية.
لذلك اقترنت نتائج الإخفاقات الأمريكية الأوروبية الإسرائيلية ووصول أهدافها في المنطقة الى طريق مسدود، وتحديداً مشروع إدارة أوباما المعلن في خطابه بجامعة القاهرة، بتطوير جديد للمؤامرة على سورية تصاعد على نحو ملحوظ بعد الفيتو الروسي الصيني، للعمل في اتجاهين خطيرين، الأول: يتمثل في الحيلولة دون تنفيذ خطوات مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي، والثاني: في العزف على الوتر الحسّاس، حقوق الإنسان والأقليات. وهنا كانت المعارضة الخارجية بأدواتها القذرة مطيّة سهلة الارتهان والمأجورية.
فوقعت جهلاً وعمداً في شرك الخيانة، وأعلنت سياسة خارجية تناصر الغرب وإسرائيل. وفي الوقت الذي تسلّح فيه الغرب وتركيا بالدرع الصاروخية تسلّحت العصابات الإجرامية للقتل ولتغذية الصراعات المذهبية والطائفية في المنطقة عامة، وعمد الطرفان الى صياغة خطاب وبرنامج عمل مرافق عادة للحروب الأهليّة. وفي جميع الأحوال تم تجاهل سياسات الاحتلال والاستيطان والعدوان الإسرائيلية، وتجاهل سياسات الغرب الاستعمارية وأطماعها في الثروات العربية، أي حقوق الأمة، ليتم التركيز على حقوق الإنسان. وهذه الحقوق بطرفيها الآن رهينة استهداف الغرب وأدواته.