أسئلة البعث المؤجّلة
د. عبد اللطيف عمران
كثيرة هي الأسئلة التي تتطلع جماهير الشعب والحزب الى الإجابة عليها في المؤتمر القطري القادم، والتي بقي سابقاً أغلبها معلقاً سواء مايتعلق منها بالنظرية أو بالممارسة أو بعمل قيادة الحزب، أو الحكومة، أو الجبهة الوطنية التقدمية.
فمنذ مدة ليست بالقصيرة والجهاز الحزبي – ولاسيما في المؤتمرات السنوية لمؤسساته، وفي الاجتماعات الدورية التي انتقلت من أسبوعية الى شهرية.. حتى تلاشت ودون تأثير يُذكر- لم ينقطع عنه قلق التساؤل تجاه موضوعات عديدة عبّر خلالها الرفاق في كافة المؤسسات والمستويات عن قلق مشروع على البعث فكراً وتنظيماً ودوراً.
واقترن التعبير بالاستعداد الكبير للإسهام في تجديد الدور وتطويره بما يخدم مصالح الشعب والوطن والأمة، في عالم يتغير بسرعة، وتسهم شرائح المجتمع الجديد المتأثّرة بمعطيات العولمة وثورتي الاتصالات والمعرفة، إسهاماً كبيراً في تكوين الوعي الجمعي.
واليوم يُقدم الرفاق على مؤتمر مفصلي في تاريخ البعث والوطن والأمة، وهم، لا شك، سيكونون أمام مؤتمر يعقد في ظروف أصعب من أي مؤتمر مضى، وستواجه القيادة القادمة تبعات الأسئلة المؤجلة، ومقترحات وتوصيات مؤتمرات واجتماعات مضت لكافة المؤسسات الحزبية، إضافة الى المهام الجسام المتعلقة بتنفيذ بنود مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل.
وإذا كان تأجيل الجواب في عدد غير قليل من القضايا مسألة واقعية في تاريخ الحزب، فإن هذا لاينطلق من عدم القدرة، أو الجرأة، أو غياب الرؤية، بل من الثقل الكبير لحجم التحديات التاريخية المتنوعة التي جابهت مسيرة الحزب وتاريخه النضالي على كافة المستويات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، بأبعادها الوطنية والقومية والإقليمية. إضافة الى ضرورة عدم تناسي أثر الواقع اليومي الذي كانت تستفيق فيه جماهير الشعب والحزب في سورية على تحدٍّ جديد ضد البلاد وتوجهاتها المقاومة.
وقد يرى البعض أن صلة الحزب بالسلطة أدت الى بعض العطالة في هذا الجانب حيث يحتاج الأمر الى ديناميكية والى احتفاظ بكثير من الأوراق. لكن الحقيقة هي أن استمرار الحزب في خوض معركة المصير التاريخية، وضد قوى أثبت الواقع الجديد أنها لاتزال متجذّرة الأثر في المنطقة كالتخلف والرجعية والطائفية والاستعمار، كل هذا انعكس على العمل الحزبي، وسيزداد مع الأسف أثر هذا الانعكاس ونحن نعيش اليوم انكفاء المشروع القومي العربي، وتقدّم الإسلام السياسي، وسيواكب هذا مصاعب جمة ناجمة عن الصعوبات القادمة في التعامل مع نتائج الواقع العربي الجديد شعبياً ورسمياً، صعوبات يسارع المشروع الصهيوني الغربي الى الإفادة من نتائجها.
لا شك هناك أسئلة مستمرة عديدة يتصل بعضها ببنية المجتمع السياسي السوري وبوظيفته، وبالمسألة الاقتصادية ودور الدولة الاجتماعي، وبالتنظيم الحزبي بين الكم والكيف، وبالمنطلقات الفكرية واللائحة الداخلية، وبأثر دورية الاجتماع الحزبي وتعليق العضوية، وبمهام البعثي المؤقتة والدائمة، وبالموقف الرمادي، وبغياب التصريح الإعلامي… والتي لم يقدّم الحزب حولها نصاً تحليلياً يوضح استراتيجيته فيها أمام الشعب، إضافة الى الوثائق والتقارير التي ستُقدّم، وتتضمن رؤية الحزب تجاه الواقع الراهن.. وهي أسئلة لن يعجز المؤتمر مناقشتها والإجابة عليها، ولاسيما أن هناك ماسيساعد في ذلك وخاصة أن منطلقات مشروع الإصلاح ليست جزئية، ولم يغب عنها الوضوح والهدف واتساع دائرة المشاركة.
ويمكن تخيّر جانب واحد مثلاً مما أفاض الجهاز الحزبي في التساؤل حوله وهو الاجتماع الحزبي الذي «كان» غنياً ومهماً وبمثابة استطلاع للرأي العام، يلتقي فيه الطالب بأستاذه، والموظف بمديره، والشباب بأصدقائهم، وتُثار فيه هموم الجميع وآراؤهم في الحزب والمجتمع والسلطة. فهل ماأصاب هذا الاجتماع هو نتيجة خلل أو حداثة تنظيمية، أو عدم رغبة في مواجهة الجهاز، أو صعوبة في الإجابة على التساؤلات، وفي تطوير الاجتماع وجعل جاذبيته طوعيةً، وانتقال هذه الجاذبية الى اجتماعات وتجمّعات أخرى؟!
إن الأمل بالمؤتمر القادم كبير، والمسؤوليات أكبر، والبعث مايزال مشروعاً وطنياً وعروبياً مطلوباً.