شـبّيحـة أمـريكا وحـكمـة الشــرق
د. عبد اللطيف عمران
يتطلّب ماجرى في جلسة مجلس الأمن الأخيرة من سورية وأصدقائها إعادة النظر في أمرين مهمين، الأول: الحل السياسي. والثاني: العمل العربي المشترك ومؤسساته. بحيث يتم استبعاد عصابات الإجرام ورافضي الحوار، ومناصريهم من العملية السياسية مع الأخذ بالحسبان وضوح جدول تآمري منظّم على سورية وعلى حقوق الأمة عند بعض الأنظمة العربية.
فقد أكدت ردود الفعل الهستيرية الغربية والخليجية، ومعارضة الارتزاق والعمالة في الخارج أن هؤلاء لايشجّعون العملية السياسية، ولا الحوار الوطني، ولا مشروع الإصلاح، بل هم جميعاً منغمسون في مشروع يحتكم الى العنف، وتدمير المجتمع والدولة، وضرب البنى التحتية والسلم الأهلي والوحدة الوطنية في سورية.
فصار واضحاً التآمر والتغافل والتزوير الذي يصبّ في مصلحة القوى المناهضة للسلام والاستقرار والتقدّم ومقاومة المشروع الصهيوني. ومن المؤسف أن بعض العرب: أنظمة ومؤسسات، يقوم بدور مشين تاريخياً على نحو مانرى في قرارات مجلس التعاون الخليجي، وفي تصريحات نبيل العربي الذي رأى – بانحياز فاضح – أن روسيا والصين خسرتا رصيدهما الدبلوماسي لدى العرب.
فما الذي أثار هؤلاء في حكمة وشجاعة روسيا والصين؟ ولاسيما أن كلام المندوب الروسي كان صحيحاً وواقعياً في أن: الذين يجلسون على هذه الطاولة كانوا يقوّضون منذ بداية العملية أي فرصة لتسوية سياسية… والمعارضة لم تستطع فصل نفسها عن السلاح، وناهضت الحل السلمي والحوار ومشروع الإصلاح. وكذلك كانت رؤية الصين التي اختصرها ليو ويمين المتحدث باسم الخارجية الصينية: إننا لانحمي أحداً، بل ندافع عن الحق في القضية السورية.
واليوم تتابع أمريكا دعمها للعصابات المسلّحة، ولما يُسمى معارضة في الخارج، بعد أن تحكّمت بأنظمة الخليج وتركيا، والاتحاد الأوروبي، وجاء هذا في نسق إدخال السياسة الغربية مفردات طارئة الى المعاجم اللغوية لشعوبها. وقد استقرّت هذه المفردات منذ تدخّلها الخبيث في أفغانستان، وصولاً الى محاربة الحقوق التاريخية والواقعية للشعب الفلسطيني، مروراً بالتلاعب بالإسلام السياسي، وبما يُسمى الربيع العربي.
وكان من أبرز هذه المفردات: الجهاد – المجاهدون – الانتفاضة – القاعدة – الشبّيحة، فقد استخدمت بالأمس سوزان رايس في جلسة مجلس الأمن مفردة Shabiha وألقت كلمة تتناسب مع سياسة بلادها المندمجة في الأهداف والأدوات مع بعض الزعماء العرب، ومعارضة الخارج، انتصاراً لجرائم العصابات المسلحة، حيث كان من الواضح أن قرار مجلس الأمن سيتحيّز لصالح هذه العصابات لولا الفيتو التاريخي المزدوج.
وفي الواقع فإن السياسة الأمريكية وسياسة حلفائها ولاسيما العرب والغرب، إضافة الى ردود الفعل الهستيرية، كلها تؤكد أن هؤلاء هم الشبّيحة الذين طالما انحازوا الى القتلة، لأن هذا التحالف بالمحصّلة يصب في مصلحة الصهيونية وأهدافها وخططها وجرائمها التي لم يعد أحد ينظر إليها اليوم.
فقد أتى التصويت في مجلس الأمن بُعيد جلسة مباحثات قوية في ميونيخ بين لافروف وكلينتون، تأكّد فيها أن الأمريكان يكرسون مفهوم الشبيحة في علاقاتهم الدولية، وخاصة تجاه الأوضاع في سورية، وهذا مايذكّر بما قاله الرئيس بوتين عام 2007 في المؤتمر نفسه، مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونيخ: «من أن سرّ البلاء في عالمنا الراهن هو القطبية الأحادية… إن نظام تشريعات الولايات المتحدة قد تخطّى حدودها الوطنية، وبات يُفرض على الدول الأخرى.. ولا داعي لاستبدال منظمة الأمم المتحدة بحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي».
وفي هذا السياق يأتي الفيتو المزدوج إرهاصاً حكيماً ومشروعاً لتشكيل خارطة جيوسياسية جديدة تتطلع اليها القوى الحيّة في العالم، تنطلق من رسوم خطوط حمراء أمام الانفلات الأمريكي الخليجي التركي في المنطقة، ومن ضرورة إقامة توازن فاعل تشكّله تحالفات جديدة تقاوم سياسة عملاء أمريكا واسرائيل، ولاسيما أن هؤلاء يعملون بعد فشلهم الذريع على مشروع «أصدقاء سورية» الخبيث الذي سيتكوّن لاشك من شبيحة أمريكا الذين ينخرطون في مشروع يعمل على تحقيق مصالح جيوسياسية ذاتية، تحاكي مواقف معروفة في القرن الماضي، وتعكس سيكولوجيا قديمة ينبغي التخلّص منها -على حد تعبير لافروف-.