ما المنعكسات الإيجابية لبرنامج الإصلاح على العمل الحزبي؟!
د. عبد اللطيف عمران
لا شك في أن عدداً غير قليل من الرفاق- وليس القدامى منهم فقط – يرغب في الانتقال من الحديث عن المنعكسات الإيجابية الى الحديث عن المنعكسات السلبية على حضور حزب البعث ودوره السياسي والتنظيمي والاجتماعي.
ولا ضير في هذا فالبعث لم يبق دون تباين التأثر بمعطيات العصر، وقد جابه تحديات جساماً، كان صداها صارخاً بين فترة وأخرى، وقطر وآخر.
فقد تعامل الحزب مع مطلع القرن الجديد، مع مستجدات غير مألوفة سابقاً، بمرونة وهوامش واسعة انطلاقاً من حرصه على مصالح الشعب والوطن والأمة في زمن المتغيرات، ورغم أن هذا كان موضع تساؤل الجهاز الحزبي، واختلاف في الرأي والأسلوب، إلا أنه حقق أداءً متميزاً جعل لسورية دوراً إقليمياً ودولياً فاعلاً طيلة الفترة المذكورة. وليس من العدل النظر الى الأمور من زاوية الأزمة الراهنة، والطارئة.
ومن المعروف أنه خلال العقد الماضي تقدمت طروحات في قيادة الحزب والدولة على أساس التكيّف والتأقلّم مع المتغيرات، تم خلالها غض النظر عن بعض المخاطر، وغابت معها أحياناً المراجعة النقديّة الفاعلة.
فكان من المهم التركيز مثلاً على أن التكيّف البنيوي والوظيفي مع دور مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، والمنظمات غير الحكومية، لا يلغي ماهو مستقر في الواقع من أن لأغلب هذه المؤسسات والمنظمات دوراً مكملاً لأدوار البنك الدولي، وصندوق النقد… ولبرَلة الاقتصاد.. فالسياسة، ومايتصل بهذا من حديث عن التنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، والمواطنة، والانفتاح… استُخدمت في إطار مفردات الدعاية الامبريالية التي تتصل بالعمل على تجاهل الواقع الاستعماري الاستيطاني التوسعي الذي يمثلّه الكيان الصهيوني في المنطقة، والذي يتشابك في بعض الخيوط مع الحالة الرجعية الصاعدة من جديد في الوطن العربي، والتي من تجلياتها طمس الهوية الوطنية والقومية، وتقديم الإسلام السياسي المقترن بحضور مجلس التعاون الخليجي بديلاً يعربياً قزِماً هزيلاً.
والحال نفسه في الحديث عن تباين الرأي في اقتصاد السوق الاجتماعي بين النظرية والأداء، وكذلك في التخطيط المركزي والتخطيط التأشيري… ويطول الحديث عن التعامل مع مؤسسات العمل العربي المشترك، وعن الوضع العربي بين التضامن الكفاحي الذي ساد سابقاً، وغض النظر بسبب كثافة التحديات عن الدور المخاتل لدول البترودولار التي تصرّ على الاستمرار في دعم الحضور الرجعي الامبريالي.
واليوم مع المضي قدماً في إنجاز مشروع الإصلاح الوطني الشامل فإن البعث لاشك أمام واقع جديد، واقع إيجابي، لأنه أساساً لا يمكن نجاح هذا المشروع دون بنية حاضنة تتمثل في القوى الوطنية التقدمية، والبعث من أهمها بتاريخه الوطني والعروبي الأصيل، وبأثره الواسع والعميق في المدارس والجامعات والمعامل والحقول وكافة المؤسسات، وبإيمانه من أن الوطن أغلى من التنظيم، بل غاية التنظيم هي الوطن والأمة.
لكننا اليوم أمام سجالات وكتابات كثيرة، مبني بعضها على نعي حضور البعث، انطلاقاً من غياب المادة الثامنة في الدستور السابق، ولا شك في أن هذا الغياب سيؤثر على وضع العلمانية والتقدّم، وهما اليوم في خطر إقليمي.
وبالمقابل يجب لحظ أن قراءات بعض هؤلاء للواقع أحادية الجانب أحياناً، وناقصة أحياناً أخرى، يشوبها الانطلاق من مواقف مسبقة، أو من ثقل الواقع الراهن، كما أنها تتجاهل عدداً من الحقائق أهمها:
انطلاق القيادة السياسية من أن الحزب الذي طالما تمكّن من أن يجنّب سورية والعرب منزلقات سياسية واجتماعية عديدة، قادر اليوم على أن يضع نفسه أمام مسؤوليات الدفاع عن حضوره وتاريخه ومستقبله. في وقت تعيش فيه المجتمعات العربية نكوصاً وارتداداً وانقضاضاً على المنجز منذ حركة النهضة العربية، مع بروز دور الرجعية العربية وهي تملك قوة المال، وصفاقة التنسيق مع الامبريالية العالمية الواضح من المبالغ النقدية المدفوعة لشراء الذمم إقليمياً ودولياً.
كما أن الحزب الذي فقَدَ المادة الثامنة في الدستور السابق، معني بالانتصار لمضمون المادة نفسها في الدستور الجديد، وهو سينجح في تجديد روحه النضالية والعقائدية، وبنيته التنظيمية، وهذا واضح في الأوراق المقدّمة إلى المؤتمر القطري القادم، ولاسيما من خلال الجدلية الماثلة أحياناً في مشروع المنهاج الفكري والسياسي بين المبادئ الأساسية والعامة.
إضافة الى أن المتغيرات في برنامج الإصلاح لم تأت تحت وطأة الضرورة، ولا تكيّفاً أو استجابة، بقدر ماهي نابعة من الإحساس الوطني والبعثي الأصيل، وهذا ماأكدته سابقاً توصيات المؤتمر القطري العاشر وطالبت به.
وبالمحصّلة فإن الحزب على مايبدو مازال يعمل في بيئة اجتماعية محلية وإقليمية معقدّة، وعرضة للاختراق، وهذا مايستدعي من جديد حضور بعض الثنائيات منها: ثنائية الريف والمدينة، أو الجماهير والجمهور، وإذا ما تضاءلت بعض مهام المكاتب الفرعية والقطرية في الحزب..، وفق برنامج الإصلاح، فإننا سنبقى نكتب: تحية عربية… والخلود لرسالتنا. وستتوسع نقاط التلاقي الإيجابية بين الحزب، والمجتمع السياسي الوطني الجديد، وسيبقى البعث حركة قومية شعبية ديمقراطية تناضل في سبيل الوحدة العربية والحرية والاشتراكية.