أردوغان – أوغلو: ملامح الخطاب النازي
د. عبد اللطيف عمران
إنها مقاربة سبقنا إليها عدد من الأصدقاء الأتراك من رجال الفكر والإعلام والسياسة والنقابات.. وهم ينظرون بسخط وألم الى سياسة الثنائي الراقص على الجراح أردوغان – أوغلو، والى ماتسببه هذه السياسة من إرباك وتعثر وتناقضات على المستويات الداخلية والخارجية، لما تنطوي عليه من مراوغة ونفاق وضعف بصيرة في الرؤية الاستراتيجية.
ولأن الشعب السوري وقيادته السياسية توجها بصادق النوايا والعمل نحو تركيا، وكانت النتائج المرّة حصيلة هذا التوجّه بسبب مراوغة هذا الثنائي ونفاقه على الشعبين السوري والتركي وعلى شعوب الجوار، خاصة بعد أن نكثت الحكومة التركية بجميع تعهداتها مع جيرانها ولاسيما في شعار صفر مشاكل، فإن الوقائع لم تعد خافية على أحد، مايتطلب التركيز على فساد السياسة التركية الراهنة التي تجعل من الاستقرار الهش أصلاً في المنطقة شراً مستطيراً ودماراً يهدد مصالح الجميع، ولاسيما حين ينطلق الثنائي من خطأ في الحسابات على الأقل، ومن عنجهية وأنانية واستبداد ورؤية فيها كثير من المشابهة مع النازية على حد تعبير عدد غير قليل من الباحثين الأتراك، وغيرهم.
وهذا واضح من تجاهلهما لعدد من الحقائق الواضحة وأهمها:
– في «العمق الاستراتيجي» فإن كتاب أوغلو أصبح بمنزلة العرض المسرحي الذي قدمه أردوغان في دافوس، وبألاعيبه الإعلامية الأخرى حول الانتصار لغزة وقضية فلسطين، بينما تنفّذ الحكومة التركية سياسة أطلسية معادية للقضايا العربية والإسلامية. وماتدعيه هذه الحكومة من أنها تملك وتقود وتخدم بناء شرق أوسط جديد يولد الآن بريادة تركية منعزلة عن الإشارة من الخارج هو محض كذب، فما يزال خطابها طامحاً في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، ومترفعاً ضمنياً عن الشرق الأوسط «المتخلّف»، وهي مع الدرع الصاروخية تخدم لا شك مخططاً امبريالياً في المنطقة. وقد بيّن تباين المواقف من الحكومات العربية خلال سنة وانقلاب الموقف التركي سريعاً مدى النفاق، وغياب الرؤية الاستراتيجية وبما لا يخفى على الشعبين العربي والتركي.
– في العمق التاريخي يغيب عن هذه الحكومة مواقف الغرب التاريخية من الصدام التركي العربي ولاسيما مع أبناء محمد علي باشا في مصر أولاً، وثورة الشريف حسين ثانياً حيث أرهقت المراوغة الغربية مطامح الأتراك بما عاد وبالاً على العرب والترك. وليس بعيداً عن ذلك مايضمره الغرب اليوم ثالثاً من شر للطرفين، في وقت تكون فيه الحكومة التركية رهينة لإرادة الغرب الجيوسياسي، هذا الغرب الذي يقبلها أداة رخيصة في الحلف الأطلسي، ويرفضها عضواً في الاتحاد الأوروبي، ويستمر مندّداً في التذكير بالتاريخ المؤلم لعلاقة الترك ببقية الشعوب ولاسيما الأرمن والكرد، بينما يقارب أوغلو مغالطات الخطاب النازي في حديثه الأسبوع الماضي أمام البرلمان بادعائه أن «عصر انتظرْ وراقبْ واتبعْ القوى الكبرى انتهى، وتركيا لن تنخرط في أي سياسة لا تُصنع في أنقرة».
سنرى ياأوغلو نتيجة كلامك، تفضّل وتابع، وأنت أقل من أسير لحمد وحمد وحمد بتجاهل حكومتك التاريخ والواقع، ولم ولن يسمح لك الغرب بدور قيادي، وأنت تحشر نفسك ضائعاً في زمرة التابعين.
– في عمق الواقع فإن فوز حكومة أردوغان للمرة الثالثة أفقدها ضرورة المراجعة النقدية، ودفعها نحو الغرور والثقة الذاتية المفرطة الى حد الأنانية المطلقة، ويكاد ماحدث من ردود أفعال تركية على حديث أوغلو في جلسة البرلمان الأسبوع الماضي مضافاً إليها الرد المدروس للخارجية السورية الهادئ والمتوازن والموضوعي، يختصر الواقع في هذا الجانب، ويبين المفارقات الكبرى في الواقع الذي تعيشه هذه الحكومة.
وهناك عدد يتزايد من الصحافيين والمفكرين والسياسيين والنقابيين والجامعيين في السجون التركية، وأغلبهم سُلّطت عليه تهمة الإرهاب، بينما يذهب أردوغان الى قطر والسعودية ليطلب الحرية للشعب السوري؟! وتتحدث حكومته عن شرق أوسط جديد تطمح اليه من خلال قيادتها موجة التغيير دون حاجة الى التغيير في أنظمة البترودولار والإسلام السياسي.
كما تدعي سياسة صفر مشاكل وهي تستمر في إثارة مشاكل تاريخية وواقعية مع جميع جيرانها ومع الترك أنفسهم والكرد والعرب والأرمن والفرس، بعد جهود بذلتها عن قريب لتتوافق مع الحكام قبل الشعوب، ثم تنقلب خلال سنة لتنفّذ توجهات القوى الامبريالية في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وبدور رخيص مثاله الأبرز علاقتها مع سورية والتي يثبت الواقع أنها تؤدي دور المجرم الحقيقي والمتعجرف الذي يحرّض على القتل والعنف، بينما لايزال الشعب السوري وقيادته السياسية في إصرار على حسن العلاقة مع الشعب التركي الصديق والشقيق الذي بات أغلبه اليوم يشاطرنا الرأي في هذه الإشكالية.
إنها سورية التاريخ والحاضر، وتلك نصيحة مجانية الآن، وقد لا تكون عن قريب «إلاّ بجمل أو أكثر».