السعي إلى مقعد فاعل للإرهــاب في المجتمع الــدولــي
د. عبد اللطيف عمران
تتباين القراءات والمواقف على المستويات الإقليمية والدولية تجاه الأحداث في سورية، ويتم الانتقال من الواقع الواضح لأسباب الأزمة الداخلية منها والخارجية، الى التأويل والتزوير، وذلك خدمة لمواقف مسبقة من دور سورية التاريخي المعروف وطنياً وعروبياً.
وينسحب هذا التباين في قراءة الواقع ليطال كل مايتعلق بهذه الأحداث من أسباب ووسائل ونتائج وأدوار، وتصريحات مسؤولين ومواقف دول، ليصل الأمر الى بعثة المراقبين وخطة أنان ونقاطها الست، والإحاطات التي يقدمها، وكذلك تصريحات بان كي مون وغيرها. ويأتي هذا جميعه لأسباب جيوسياسية معروفة وفي سياق المواقف الضاغطة وغير الموضوعية، وليس في سياق الحقيقة.
لذلك يلحظ المتابع الموضوعي للأحداث مدى التحامل والتكاذب والتآمر على دور سورية ومصالح شعبها وأمتها، فيرى تناقضاً في مواقف المجتمع الدولي وبعض الدول الكبرى سببه الأساسي عاملان واضحان هما: التسييس، وازدواجية المعايير. وهذا ماأكدته الخارجية السورية بالأمس حول أهمية التركيز على الموضوعية والمهنية في أداء بعثة المراقبين الدوليين لنقل «حقيقة الواقع السوري الى المجتمع الدولي بعيداً عن التسييس الدائر للملف السوري بمجلس الأمن».
ومن هذا القبيل تأتي تصريحات بان كي مون ولاسيما ماذكره مؤخراً في كلمته في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن من أن «الوضع في سورية لايمكن تحمّله وغير مقبول بالمرة»، فإذا أضفنا إليه حديث رايس أمس في مجلس الأمن الذي يؤكد الانحياز الى طرف واحد، ودعمه في المجتمع الدولي من خلال التهديد بتكتل دولي لدعم «المعارضة.. وأية معارضة؟!» عرفنا أن هذا الانحياز لا يهدف الى حل سياسي، ولا الى إقامة حوار وطني، بل الى دعم الاقتتال والاحتكام الى الإرهاب من خلال منظومة علاقات دولية تلعب فيها قطر وتركيا والسعودية دوراً أساسياً بإملاء أمريكي صهيوني رجعي، وبموقف معلن منحاز الى طرف واحد هو الإرهاب.
فهؤلاء وغيرهم يعرفون استحالة الحل السياسي تحت وطأة الضغوط والتهديد والتدخل الخارجي، فلطالما فشل هذا الخيار مع سورية، وهم يعرفون أن الحكومة السورية «وليس النظام كما يفترون» استجابت للتحديات الداخلية بإطلاق مشروع الإصلاح وفق جدول زمني واضح ومحدد، ودعت الى حوار وطني داخلي، بينما استجابت “معارضتهم” لجدول المؤامرة الخارجية، فرفضت الحوار واحتكمت الى السلاح والإرهاب والاغتيالات والتفجيرات والعبوات الناسفة وتدمير الأملاك العامة والخاصة، ولم يعد خافياً الدعم الذي تلقاه المجموعات الإرهابية من بعض أقطاب المجتمع الدولي، ومن بعض الدول والأطراف الإقليمية. إنه دعم مبرمج للعنف، وهذا مايمكن قراءته في حديث أنان بالأمس.
ولا شك في أن أطراف المؤامرة تعمل على رفع مستويات العنف، في سياق عملها على الاعتراف بواقع المعارضة المسلحة، وبدورها وبتوجهاتها المرفوضة مسبقاً من الشعب السوري ومن الشارع العربي أيضاً لما تنطوي عليه من تهديد خطير للأمن الوطني والقومي.
واليوم ترتفع أصوات حرة عديدة في المنطقة والعالم تندّد بتجاهل المجتمع الدولي وحلف الناتو للطبيعة الإرهابية لعمل المعارضة المسلّحة في سورية، وتكشف هذه الأصوات عمق الخداع الذي يتعرض له الرأي العام العالمي، وأبعاد الظلم الذي تتم ممارسته ضد سورية، بما يضعف شرعية الأمم المتحدة والقانون الدولي.
فالدولة القوية هي وحدها المؤهلة للإنجاز الديمقراطي المنشود، ولا يمكن إقامة مجتمع الحرية والعدالة والمساواة على أساس من إسقاطها واستثارة المكوّنات والانتماءات غير الوطنية وفي مناخ دعم الإرهاب. فلا حل إلاّ بالحوار، ومن منطلق الديمقراطية والسيادة التامة الذي أعادت تأكيده المادة الأولى في الدستور الجديد.
فإذا ما استمر التجاهل الدولي لما تقوم به مجموعات المعارضة المسلحة من انتهاكات منهجية لخطة أنان، ومن محاولات لزعزعة الاستقرار والإصلاح في سورية، فإن الإرهابيين على موعد قريب بمقعد بارز في الأمم المتحدة من جهة، وبمصير بائس مرير في سورية من جهة ثانية يرسمه تماسك الشعب والجيش كافة ومؤسسات الدولة الحزبية والنقابية، والدبلوماسية، والإعلامية… خلف القيادة السياسية ومشروعها الإصلاحي المستمر.