اختبار الـقـوة… والأصــالـة
د. عبد اللطيف عمران
يمر تاريخنا الوطني والعربي في مرحلة اختبار عسير يتساءل المواطن خلالها بقلق عن البدائل الراهنة المفروضة والمرفوضة مع حالة الانزياح والانحراف التي يئن تحت وطأتها المشروع القومي. هذا المواطن وعلى امتداد ساحات الوطن والأمة يستنكر ويستغرب الحاضر العربي وهو يرى تحالف الإرهاب والرجعية والاستعمار ضد المصير والعيش المشترك، والتاريخ والمستقبل العربي.
يتألم العربي وهو يرى اللاعربي بارزاً قزماً هزيلاً رخيصاً أمام البترودولار، ويزداد ألمه وهو يرى «العبودية» تتخبط لترسم مستقبلاً عربياً هشاً يحيل الأمل والطموح والتاريخ المشرق لحركة التحرر الوطني العربية الى قيادات، وأُسر، ومشيخات طالما وقفت ولاتزال عقبة أمام النزوع التحرري الوطني، والعربي، والعالمي، وهي تمضي اليوم في تآمرها على محو الذاكرة العربية العامرة بالقوة والأصالة.
وبالمقابل، فطالما تجاوزت بنجاح جماهير شعبنا وأمتنا هكذا اختبارات، ولشعب سورية وقيادتها السياسية خبرة وحكمة مشهودة خلالها يعرفها القريب والبعيد جيداً. فمع «اختبار النار» على حد تعبير فلنت ليفريت في كتابه الصادر 2004، ومع الندوة التي عقدها معهد بروكنغز في واشنطن بعيد اغتيال الحريري لمناقشة الكتاب، وأدارها مارتن أندك، دخلنا في تلك الظروف اختبار النار حقيقة، وتجاوزناه بتماسك الشعب والدولة وكافة المؤسسات، بعد أن راهن عدد من الخائفين والخَطَأَة على صمود سورية وقوتها.
واليوم يُدفع بسورية ظلماً وعدواناً الى اختبار ظالم آخر قدرها أن تعيد الكرّة فتبدده وتدحره ليس دفاعاً عن شعبها فحسب، بل عن الأمة أيضاً التي ترزح اليوم تحت تحالف خبيث وشرير يصادر الوعي والانتماء، ويعبث بالهوية وبالذاكرة، ويشوّه تطلعات الأجيال نحو مستقبل عربي حر واعد. فمتى كانت قطر والسعودية ترسمان نزوع الشباب العربي وتطلعاته، وهما تؤديان هذا الدور المشبوه؟!.
وكثيرة هي الأسئلة من هذا القبيل التي تضمّن خطاب الرئيس الأسد بالأمس إجابات دقيقة عليها ، والتي تبيّن أن العائلة السورية الكبيرة دخلت اختبار القوة وهي تعمل اليوم على تخطّيه بثقة ونجاح بعد أن أدركت – وهي الأكثر ثقافة في منطقة معقدة تاريخياً – أن المشكلة التي تعيشها ليست سياسية، بل هي مشروع فتنة وتدمير للوطن، وإضعاف للأمة، وأن النجاح ليس أملاً رومانسياً بل ينطلق من علاقة التكامل والمنهجية، ومن التوازن بين العقائد والمصالح، إنه الوعي التاريخي للتعامل مع القوتين المتعاكستين، والذي سيتجلى بالصفعة التي سيحققها قريباً تقدّم مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي ونجاحه.
ولهذا تتطلع جماهير الشعب اليوم، بل تطالب بالحسم في وجه الإرهابيين، والمترددين والمتخاذلين الذين ينتظرون التوازنات والإشارات، وبعدم التساهل مع هؤلاء وداعميهم. فلا تسامح مع من يظن أن الأمن الوطني ليس خطاً أحمر، ولا حتى مع من يتريّث لينتهز النتيجة الواضحة مسبقاً. فالموقف الرمادي مرفوض لأنه رديف الضعف والانهزام والخيانة والرهان على أعداء الشعب والأمة. والطاقة الكامنة في الوطنيين الأحرار على امتداد ساحات الوطن والتي تتمثل في تأكيد تماسك الشعب والمؤسسات والقيادة السياسية مؤهلة وجاهزة لسحق الإرهاب والعمالة والارتزاق، وهي ستنتصر بعد أن ضاقت ذرعاً وصبراً.
وشعب سورية ليس بحاجة لاختبار الأصالة، فإحساسه لايخطئ وذاكرته الوطنية تنهل من تراث مليء بالتجارب الغنية والتراكم الأخلاقي، وهو يدرك المغزى الوطني الرفيع في قول الرئيس الأسد: «لوني من لون هذا الشعب الذي فيه من كل أطياف السيادة والمقاومة والكرامة والمحبة». هذا الشعب هو الذي يختزن طاقات الإجابة عن أسئلة خطاب الأمس العديدة، ومنها أن الجديد في الخطاب يقتضي حَمَلةً جدداً بيّنهم الخطاب في الآليات والوسائل والمنهج…، ليكون الدور التشريعي الأول – ومعه مشروع الإصلاح الشامل – انطلاقاً للورشة الكبيرة لسورية المستقبل.