أمـــام الإخـــوة الأتـــراك
د. عبد اللطيف عمران
بالأمس استمعتم واستمعنا معكم الى مجموعة مغالطات لا تخفى علينا سويّة تحدّث بها السيد أردوغان متوتراً منفعلاً ضائعاً في البرلمان التركي، هذا الرجل الذي كنّا نحب وكنتم أيضاً. لم يترك للحقيقة والصدق والوفاء مكاناً ولو ضيّقاً، وكذلك للأمل.
لقد خذله بالأمس قرار حلف الأطلسي في بروكسل، وكان عليه وعلى وزير خارجيته الذي أسرف في توريطه وتوريط تركيا بمهاترات وسياسات لا جدوى منها، كان عليه أن يعرف أن قادة الحلف كرروا مرات صعوبة وخطورة التدخل العسكري في سورية، كما كان عليه أن يدرك الخذلان السابق الذي لحقه من الغرب عندما اجتهد لتنضم بلاده الى الاتحاد الأوروبي، فلم تُقابل جهوده بالرفض فحسب بل بأصعب من ذلك.
كان السلطان متوتراً، وتلك نتيجة طبيعية، فتوجّه بالشتائم الى الإعلاميين الأتراك والى المحللين والباحثين وخاطبهم بأن أقلامهم مباعة وأنهم شياطين ساكتون عن الحق، مصرّحاً باقتباس سياسي عن الإمام علي، وهو الذي كان وصف هؤلاء ممن يعارضونه الرأي بأوصاف أقسى وأشنع تعرفونها أنتم.
تستنجد يا سيد أردوغان بالأطلسي حين تخسر طائرة وتكاد تخسر الثانية نتيجة خطأ ترتكبه أنت، ولا تستنجد به حين تعتدي إسرائيل على أحرار تركيا في قافلة الحرية في 31/5/2010 وتقتلهم غدراً وظلماً وعدواناً، لأن الغرب أدرك أنك أدّيت مسرحية هزْلية مع بيريز في مؤتمر دافوس 2009، لذلك أوجزت أطياف واسعة من الشعب التركي أمس الرأي فيما تقوم به بأنه ((لعبة وسخة مدعومة من إسرائيل والغرب وقطر، وهي ليست أول خطوة استفزازية لك، بل هناك خطوات سابقة منها احتواء المسلحين من جنسيات عديدة في معسكرات تدريبية ودعمهم بالمال والسلاح ضد الشعب السوري الصديق والشقيق… لقد أوصلت سياسة حزبك تركيا الى نقطة الصدام العسكرية… وهذا نتيجة طبيعية للسياسة الخارجية المعلولة، فلا ضرورة لهذا التحشيد في خط العداوة مع سورية، إذ أن المخاطرة تعادل الانتحار… وأنت تخترع أعداء وأصدقاء وهميين في حالة من التخبّط والضياع..)).
الأخوة الأتراك: بالأمس تحدّث أردوغان أن دمشق بالنسبة إليه كاسطنبول، وكذلك بقية المدن التركية والعربية، ولا تخفى علينا وعليكم هذه النزعة الرسولية التي قصد بها السلطان الجوّال الجامعة العربية في 13/9/2011 وألقى فيها كلمة سلطانية إخوانية أثارت حفيظة الإسلام والعرب والغرب، ويزداد الأمر إيلاماً حين نتيقّن جميعاً أن الرجل ينفّذ في المنطقة سياسة غربية رجعية تؤذي المقاومة الوطنية والإسلامية، لأنه ينطلق بالمحصلة من موقف وظيفي يخدم بالنتيجة إسرائيل، وقد تاه في غياهب التصعيد ضدها، فوقع في شرك استثمار اعتباطي لأوراق متداخلة آذى خلالها الترك والعرب والكرد والأرمن والفرس. فمن المستفيد ؟!
كيف يكون حريصاً على الشعب السوري من يدميه، ويفسد عليه العيش المشترك؟! وكيف يكون ناصحاً صدوقاً من يهدم اتفاق أضنة 1998 وتطويره وتوثيقه في سنتي 2009 – 2010، ومن يدمّر المنجز من الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوى في 16/9/2009، وتوقيع /51/ اتفاقية للتعاون الكبير بين البلدين عام 2010 ليستفيق فجأة بعد أسابيع مدركاً أن الحكومة السورية لا تحظى بثقة شعبية كافية، ويبدأ الصراخ غير اللائق بحق المنجز والراسخ من علاقات أخوة وتعاون بين الشعبين.
ولنقف سوية أمام المغالطات التي يعمد السيد أردوغان الى ترسيخها بعد أن نعلم أن حجم التبادل التجاري عام 2010 بين سورية وتركيا كان أضعاف حجم التبادل مع إيران، مع رجحان الأرقام لصالح تركيا وبنسب كبيرة.
نحن وأنتم لا ولن ننسى أيام الصفاء حين أدركت القيادة السياسية السورية مخاطر الاصطفاف الدولي والاستقطاب ضد قضايانا المشتركة، فعمدت الى وضع أثقل الأوراق الإقليمية والدولية في الحقيبة التركية بعد أن أفلحت في نقلها من المجتمع الدولي، وخاصة مسار السلام في المنطقة، فقدمت الرعاية التركية على سواها، وجعلت من تركيا ثقلاً استراتيجياً مهماً في التكامل والاستقرار الإقليمي، وأعطتها ضربة جزاء مجانية، لكن أردوغان أضاعها وأوغلو أفسدها، فخلق الاثنان شرخاً تركيّاً داخلياً، وتركيّاً سوريّاً إقليمياً.
والعالم كله يدرك اليوم أن الربيع المزعوم صار فرصة لاستقطاب القاعدة ومقاتلي الجهادية والسلفية، وأن تركيا تدعم هؤلاء، وهي التي شكّلت ودرّبت وسلّحت بتمويل قطري سعودي ما يسمّى بالجيش الحر، وسهّلت دخول عناصر إرهابية من جنسيات مختلفة ليس بهدف الحرية أو الإصلاح ولا التداول السلمي للسلطة، بل بهدف تصفية حساب رجعي أطلسي مع لاعب إقليمي بارع كان وسيبقى قوياً صادقاً مبدئياً. إنه سورية بتماسك شعبها وجيشها وقيادتها السياسية التي يقف معها اليوم برغم الأزمة أكثر من ثلثي شعوب الأرض، بينما يُدخل أردوغان تركيا في خسارة ومقامرة عربية وإقليمية.