أمـــام الأشــقّـاء في مـصـر
د. عبد اللطيف عمران
بعد تحية العروبة والمصير، لاشك في أنكم فوجئتم كما فوجئنا بارتجال السلطة الجديدة خطاباً متسرّعاً في مؤتمر إشكالي عُقد في القاهرة أمس سينتهي الى تصعيد الأزمة في سورية، والى تناقضات داخلية وعربية وإقليمية ودولية، ودلائل ذلك واضحة تعرفونها كما نعرفها. فشعب مصر وقيادتها هم من لقّب سورية بقلب العروبة النابض، ولايزال أغلبكم يؤكد أنه لايمكن أن تكون مصر إلا مع سورية، فمخاطر القطيعة كارثية على الأمتين العربية والإسلامية. وإليكم أيها الأشقاء الأعزّاء بعض هذه الدلائل:
> في مطلع عهدنا بالسلطة الجديدة كان حرياً بها أن تُدرك أن سقف الاجتماع وزاري وليس رئاسياً، فيُكتفى فيه بكلمة وزير خارجية مصر، إضافة الى مخاتلات ومغالطة نبيل العربي التوءم السيامي لحمد بن جاسم، وهذا رأي أطياف واسعة من الأشقاء المصريين، وبالتالي لاحاجة لكلمة الرئيس التي ستضع مصر شعبياً ورسمياً ومؤسسات إعلامية وحزبية في موقف حرج، وتجعل الشعب السوري يحسّ بأن سياسات نظام مبارك لم ترحل برحيله.
> كما أن الكلمة تصدر عن استباق للأحداث، وتُضمر موقفاً حزبياً مسبقاً لرئيس أعلن تخليه عن الحزبية، وقد أقسم ثلاث مرات -دون حاجة- مؤكداً العمل على مصلحة شعب مصر كله، بينما، وكما هو واضح، كانت كلمته تختزن خطاباً ايديولوجياً مسبقاً لايعكس الحقيقة الكاملة في سورية والتي يدركها أشقاؤنا في مصر وغيرها، فتجاهلت التدخل الخارجي، والوجود والفعل الإجرامي المؤكّد دولياً للعصابات الإرهابية المسلحة، كما تجاهلت وجود مشروع إصلاح حقيقي ناجز شعبياً وسيادياً في سورية، وهذا لاشك سيثير مخاوف أطياف مصرية واسعة من أن تسقط الحزبية والليبرالية على السواء مع السلطة الجديدة، وأن يكون هناك استقرار ماكر تتقوض معه الآمال العراض التي تراقصت في مخيّلة الثائرين على نظام مبارك.
> في كلمة الرئيس الجديد، كما في كلمته في ميدان التحرير، وفي عدة مناسبات، غابت القضية العربية الإسلامية الأهم، فلسطين والقدس. ومصر أمّ العروبة تعرف أن تهنئة نتنياهو للسلطة الجديدة لا تعني اطمئنان شعب مصر الى أن المشروع الغربي الصهيوني الرجعي ضدّها سيتلاشى مع فوز الإسلاميين وتقدمهم في مصر وسواها، فكلانا يعلم وبحكم التجربة التاريخية مخاطر تحالف القوى الدينية والسلطة، ولاسيما أن شعبنا العربي والإسلامي اليوم وبعد الإفادة من التطورات التكنولوجية بحاجة الى العلمانية ومنجزات العقل والعلم، وهذا ماسيرتّب مهمات كفاحية مستمرة على عاتق قوى الحداثة والتنوير، وعلى سائر الوطنيين والقوميين والتقدميين التي تعجّ بهم أوطاننا، ونحن نلحظ كيف يدمّر بعض الإسلاميين بالأمس في تمبكتو الأضرحة والآثار التراثية العالمية، وقبلها في ليبيا وفي الصومال وفي باميان بأفغانستان، وهذا غيض من فيض… سيدفعنا الى القلق على آثار مصر.
> ومع صادق الأمنيات لمصر الشعب والسلطة بالتوفيق والنجاح لما فيه الاستقرار والتقدم والازدهار لتعود مصر ثقلاً فاعلاً وطنياً وعربياً، وفي القلب والوجدان دائماً، بعيدة عن كامب ديفيد ومفرزاتها كالموقف من العدوانين على لبنان 2006 وغزة 2008، ومع هذا لاننسى أنك ياسيادة الرئيس تحظى بمعارضة مشروعة لأكثر من نصف شعب مصر فقط!، وكلّنا يعلم لو كان منافسك في الجولة الأخيرة منقطعاً عن النظام السابق لما تشرّفت بما تشرفت به، مايقتضي استمرار الانطلاق من هذه الحقيقة الراسخة. بينما كانت كلمتك أمس حزبية غير موضوعية تجاه مصر، وتجاه سورية أيضاً، فأنت إذاً لست مع حل وطني في سورية وأنت تعلم -أو يجب أن تعلم- أن في سورية أكثر من خمسة ملايين بعثي وناصري وشيوعي إضافة الى القوى الوطنية والقومية التقدمية الأخرى الراسخة والطالعة.
الأشقاء في مصر: يكاد يكون ماسمعناه في القاهرة أمس بادرة سوء لم تُذكر في خطاب سياسي على منبر عربي من قبل، ولاسيما ماتلفّظ به زباري من مفردات مذهبية وطائفية وإثنية كانت تُعدّ في الخطاب الثقافي والاجتماعي العربي والإسلامي محرّمات، بمثابة ألفاظ العورات والجنس. فلنعمل سوية على مصادرة هذه المسميات وحذفها من المعجم الوطني والقومي والإسلامي، لأن زباري حقيقة كان يمثّل نفسه فقط في مغالطاته، ويزوّر التاريخ حين يرى أن الشعب السوري احتضن الأشقاء العراقيين في محنتهم -التي يمثل هو استمرارها- دون قرار سياسي.
وعلى الأشقاء والأصدقاء وأحرار العالم أن يدركوا أن مؤتمر القاهرة بالأمس كمؤتمرات سبقته ذات صلة نتاج إرباكات للمجتمع الدولي باتت معروفة، وهو ليس بعيداً عن الإملاءات الخارجية، وعن اللوبي الأطلسي والرجعي والصهيوني، وهو لايُمثّل المعارضة الوطنية، ويتناقض مع مصالح الشعب والوطن والأمة، ويمسّ بالسيادة الوطنية، ويُهدّد آمال أغلبية الشعب السوري التي تطمح الى الاستقرار والحوار وتجاوز الأزمة وفق مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل، ما يعني استحالة أن يكون المؤتمر في مصلحة الشعب السوري، فهو فاشل بالتأكيد.