قد يكون من قبيل المصادفة أن يأتي الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لتأسيس الحزب في 7 نيسان الجاري بعد أيام قليلة من اختتام فروع الحزب في جميع المحافظات مؤتمراتها السنوية التي سبقتها مؤتمرات الفرق والشُعب الحزبية.
لكن الدلالة المهمة التي يحملها هذا التزامن هي أن الحزب الذي تعرّض في السنوات الأخيرة إلى هجوم كبير ذهب فيه بعض أعدائه إلى حد اعتباره جزءاً من الماضي لم ولن يعدْ قادراً على مواكبة العصر. في الوقت الذي أثبتت فيه هذه المؤتمرات العكس تماماً، وبيّنت أنه مايزال يمتلك دينامية التفاعل الخلّّاق مع المجتمع ومع قضايا الشعب والوطن والأمة، ويظهر قدرة لافتة على التطور والاستجابة لتحديات المرحلة.
وما الحراك التنظيمي والفكري الذي يعيشه البعث الآن إلاّ انعكاس لتلك الدينامية والحيوية التي ميّزت تاريخه كحزب مستقبلي يحمل مشروعاً يجسّد الأهداف الوطنية والعربية.
فقد تميّزت مؤتمرات المؤسسات الحزبية هذه السنة -بعد انقطاع ونمطية..- بحضور لافت وفاعل وبمشاركة واسعة وبجلسات طويلة، ظهرت فيها الهواجس والقلق والأمل، وسادها مناخ من المساهمات والتساؤلات والمراجعات النقدية المشروعة والفاعلة والجريئة في الوقت نفسه، بما يعكس أن الرفاق لايعيشون حالة الرضى عن نتائج العمل الحزبي التي وصلت إليها المؤسسات، كما أن الأمل مازال يحدوهم في القدرة على الفعل والتجدد.
صحيح أن الحزب واجه عبر تاريخه أزمات عديدة، وأن مايواجهه الآن ليس مجرد أزمة تنظيمية أو فكرية.. وإنما عدوان على الحزب والمجتمع والوطن. لكن مواجهة الأزمة والعدوان اليوم تفرض لا شك استراتيجيات جديدة لم تكن غائبة عن طروحات قيادة الحزب وكوادره في مؤتمرات هذه السنة التي لامست الجراح والآلام والآمال في الوقت نفسه. ويمكن الوقوف عند بعض الطروحات التي برزت في هذه المؤتمرات ومنها:
< تندرج هذه المؤتمرات في إطار الحراك التنظيمي والاجتماعي الفاعل الذي يعيشه الحزب، والذي عبّر عن الرغبة الحقيقية والواسعة في أن ينهض الحزب، ويتفعّل دوره وحضوره في المجتمع والدولة، إذ مايزال القوة السياسية والحزبية الأقدر على ردع العدوان وتجاوز الأزمة.
< أظهرت هذه المؤتمرات أن الحزب يحمل أثقالاً من التركة الماضية تكاد تكون فجوة في مسار التاريخ النضالي للحزب، تركة بحاجة إلى جهود حثيثة لتجاوز منعكساتها السلبية الماثلة في عدة اتجاهات من أهمها رهان الحزب التاريخي على جماهير الشعب من الشباب والعمال والفلاحين.. حمَلة التغيير المنشود والفكر الوطني والعروبي المستنير، هذه الجماهير التي ضحّت على امتداد ساحات الوطن في سبيل تحقيق أهداف الحزب، وأسهمت في نجاح العمل الحزبي.
< أكدّ الرفاق في هذه المؤتمرات استمرار الدور التاريخي لجيشنا العقائدي، الجيش العربي السوري في تماسكه وقوته ومنعته ونجاحه المستمر في التصدي للعدوان والمؤامرة على الشعب والدولة والحزب، ما رسّخ في الوجدان الإيمان بتلاحم الشعب والجيش والحزب كضمانة مرحلية ودائمة للثوابت والمبادئ، ولمصالح الشعب وقضايا الوطن والأمة.
< لم يكن الرفاق في حرج أمام المراجعة النقدية الواعية والمسؤولة، ولم تنقصهم الجرأة في تسمية الأشياء بمسمياتها من أخطاء وتقصير، ومقترحات بنّاءة وفاعلة لتجاوز بعض حالات القلق والنكوص والتقصير، ولم يظهر أي منهم أنه غير معني شخصياً، أو غير ذي دور في الإسهام بعمل حزبي أو اجتماعي جديد ومغاير وفاعل من حيث المتابعة لآليات عمل متجددة، بل استراتيجيات جديدة أيضاً لا تتصدع أمام الواقع الصعب، بل تمتلك الرؤى المقترنة بالعزم وبالوعي وبالانتماء.
< ظهرت المؤسسات الحزبية بكوادرها القادرة على إعادة صياغة جديدة للعلاقة مع جماهير الشعب، أنها مدركة للتحديات الجديدة التي أفرزها العدوان على «سورية كلها»، ومن أصعب هذه التحديات الانتصار في مواجهة تفكير وممارسة هدّامين: التفكير التكفيري الدموي، وممارسة الإرهاب والتخريب المدعومين من التحالف الأطلسي الصهيوني الرجعي العربي.
< ركزّت بعض الطروحات على الدور التاريخي «للدولة الوطنية السورية» دولة الحقوق الوطنية والواجبات القومية، وانطلقت من إرثها المتميّز في دعم حركات التحرر العربية والعالمية، والتصدي المستمر للأحلاف والمؤامرات المضادة لقضايا الأمة وأهمها قضية فلسطين، ومن أن سورية كانت وستبقى القاعدة الأساسية للمقاومة ضد الصهيونية والرجعية والاستعمار. وعلى البعثيين واجب التضحية باستمرار لتبقى سورية صمام الأمان.
< أكد الرفاق أن البعث مايزال ضمانة مهمة من ضمانات الوحدة الوطنية والعربية، ولاسيما أن مفرزات مايسمى بالربيع العربي لم تترافق مع فكر سياسي وطني، ولا أطر تنظيمية فاعلة يمكن أن تنضوي تحتهما فعاليات شعبية وطنية وعروبية واسعة تتمكن من إنتاج أحزاب ذات برامج مؤسساتية واضحة، فمايزال سائداً هناك نوع من الانفجار السياسي والمجتمعي اللانوعي المستمر والذي تتحطم معه ملامح الحياة الحزبية الوطنية القادرة على التصدي لسلبيات التدخل الخارجي.
– وبالمحصلة فقد أجمعت مؤتمرات الفرق والشعب والفروع في أرجاء القطر كافة على أنها ترى وتؤمن بالدور التاريخي الشجاع والحكيم للأمين القطري للحزب الرفيق بشار الأسد في النجاح في هزيمة العدوان على قضايا الوطن والأمة، وأن ماقاله في ختام أعمال المؤتمر القطري التاسع عام 2000 هو منهج تاريخي وواقعي ومستقبلي للبعث «الذي سيبقى انتماءنا وفكرنا ومرجعيتنا، فاستمراره مضمون بمقدار تلازمه مع الواقع وتماشيه مع تطوراته».
وعلى هذا الأساس ستكون جماهير الشعب والحزب بانتظار المنعكسات الإيجابية لما طُرح في هذه المؤتمرات على الحزب والمجتمع والدولة، وستنتظر قيادات المؤسسات الحزبية المتابعة والمراجعة والنقد أمام مؤتمرات العام القادم.