الرفيق هلال الهلال الأمين القطري المساعد للحزب لـ«البعث»: تأسيس البعث لحظة تاريخية بكل المقاييس .. وتجربته شديدة الأهمية والفرادة في التاريخ العربي المعاصر
دمشق – رئيس التحرير:
في ذكرى تأسيسه السابعة والستين، لا يردّ حزب البعث العربي الاشتراكي على من اتهمه بانتهاء الصلاحية السياسية بالكلام، بل يثبت، بالفعل، أنه قادر على اجتراح عملية تجديد تنظيمي، يستعيد بها الدور والفاعلية، والهوية النضالية… ويرى الرفيق هلال الهلال الأمين القطري المساعد للحزب في حوار أجريناه معه بمناسبة هذه الذكرى أن الحزب أظهر، من خلال مؤتمرات مؤسساته السنوية، إرادة جامعة أكدت على تصويب الأداء، وتجاوز الأخطاء والسلبيات، والانخراط بكل قوة، وبمختلف الوسائل في مواجهة العدوان الإرهابي العالمي على سورية. ويعترف الرفيق الهلال أن هذه المؤتمرات لم تلب كامل الطموح، لكن ماحققته في غاية الأهمية، لأنها تفتح آفاقاً واسعة أمام تطوير الحزب وتفعيل دوره في مختلف المجالات. وإذ يشير الأمين القطري المساعد الى أن أخطر الأدواء التي عانى منها الحزب في السابق هي البيروقراطية التي أبعدته عن الجماهير، وشلّت بالتالي فاعليته داخل المجتمع، فإنه يؤكد، على أن دينامية القيادة الجديدة وتركيزها على الميدان هو تعبير عن تغيير منهجي في مفهوم العمل الحزبي وآلياته. تغيير يجعل من عملها اليوم عملاً مع الجماهير وبينها ومن أجلها… هنا نص الحوار:
< بعد سبعة وستين عاماً مرت على تأسيس البعث، كيف تنظرون إلى تلك اللحظة، وماهو تقييمكم العام لمسيرة الحزب؟
<< تأسيس الحزب كان لحظة تاريخية بكل المقاييس، فقد كانت تعني ولادة الحامل السياسي لأهداف الجماهير في سورية، وعلى امتداد الوطن العربي، وبداية المسيرة النضالية والإنجازية للحزب والمتواصلة حتى اليوم، والتي ستستمر حتى تحقيق تلك الأهداف.
والحقيقة أن تجربة حزب البعث، ليست في تقييم البعثيين فقط، بل وكما نظر اليها الكثير من المفكرين والباحثين من خارج الحزب أيضاً، هي تجربة شديدة الأهمية والفرادة في التاريخ العربي المعاصر. والبعض منهم نظر بعين الانبهار الى إشعاع الحزب في بداياته وقدرته الهائلة على اجتذاب الجماهير من مختلف الأقطار العربية. ومن جانبي أعتقد أن عبقرية البعث تكمن في استلهامه اللحظة الوحدوية التحررية في حياة الأمة، وتجسيده التطلعات الوطنية والقومية للجماهير العربية في أهدافه…
< هذا كان في البدايات، ومرحلة النضال السلبي عموماً، عندما كانت هوية الحزب تبشيرية نضالية، لكن الأمر تغير بعد استلامه السلطة وظهور سلبياته…
<< شيء طبيعي أن تظهر السلبيات، فكل ممارسة للسلطة لابد أن تنطوي على أخطاء وانحرافات. والتطبيق العملي، بتعقيداته المختلفة، لابد أن يأكل من رصيد الفكر، أياً كان هذا الفكر، ومهما كان مؤثراً وجذاباً. ولكن هذا لاينتقص أبداً من أهمية وتاريخية الدور الذي قام به البعث على الصعيد الوطني والقومي خلال مسيرته الطويلة. يكفي أن أشير إلى دوره في بناء سورية الحديثة أنموذج الدولة الوطنية العربية، ودوره في تأجيج النضال القومي العربي، ومقاومة المشاريع الامبريالية والصهيونية، والدفاع عن قضايا الأمة العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين. ثم إن البعث أثبت في أكثر من محطة تاريخية أنه قادر على تصحيح مسيرته وتجاوز أخطائه. وهذا واحد من الأسباب الأساسية التي تفسر استمراريته، إذ لم يكن ممكناً أن يستمر الحزب في السلطة طوال هذه المدة، لو لم يكن يمتلك العمق الجماهيري من جهة، والقدرة على تصويب الأداء من جهة أخرى.
< ماهي في رأيكم خصوصية ذكرى تأسيس الحزب هذه السنة؟
<< خصوصية الذكرى السابعة والستين أنها تمر في ظروف وطنية وعربية ودولية بالغة الدقة. فعلى الصعيد الوطني تتعرض سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام لعدوان إرهابي عالمي، استُقدمت أدواته من أربع جهات الأرض بدعم أمريكي – أوروبي – إسرائيلي – تركي – رجعي عربي. ويساهم الحزب من موقعه السياسي والاجتماعي والميداني الى جانب الشعب والجيش مساهمة أساسية في التصدي لهذا العدوان بكل مايملك من إمكانيات ووسائل.
وعلى الصعيد العربي تعاني الأوضاع تردياً كبيراً بعد أن تم اختطاف الجامعة العربية من قبل آل سعود وآل ثاني وتوظيفها في خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يستهدف منظومة المقاومة والقضية الفلسطينية، ويعمل جاهداً على تقسيم الدول العربية وتفتيتها. وعلى الصعيد الدولي تبرز مخاطر حرب باردة بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الحدث الأوكراني الذي أدت اليه سياسة الهيمنة الأمريكية، وتدخل الولايات المتحدة وحلفائها في الشؤون الداخلية الأوكرانية، وشؤون الدول ذات السيادة عموماً ومن بينها سورية. وكل هذه التحديات الداخلية والعربية والدولية تزيد من مسؤولية الحزب، وتتطلب منه مضاعفة جهوده وتشديد نضاله في مواجهتها.
س4: هذه الذكرى هي الأولى بعد تغيير القيادة القطرية للحزب، وهي تمر بعد أيام من اختتام فروع الحزب مؤتمراتها السنوية، ماهي دلالات هذا التزامن؟
ج4: الدلالة الأهم يمكن اختصارها في عبارة: إرادة الفعل والتجدد. فهاهو الحزب يثبت لأعضائه ولجماهيره ولكل من يعنيه الأمر، ولاسيما من القوى المعادية، أن كل ماروجته الأبواق المسمومة عن نهاية صلاحيته، لم يكن سوى دعاية خبيثة أُريد منها تحطيم معنويات البعثيين والشعب العربي السوري عموماً، وإضعاف المناعة الوطنية السورية التي استعصت على كل محاولات الاختراق. والحقيقة أن حزب البعث هو إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدولة الوطنية التي يستهدفها العدوان الإرهابي العالمي. ولا شك أن هذا العدوان غير المسبوق من حيث الطبيعة والحجم والأدوات قد شكل في بدايته صدمة كبيرة للبعث الذي ظهر مرتبكاً ومنفعلاً في مواجهته. لكن الحزب سرعان ما امتص الصدمة واستعاد زمام المبادرة والفعل.
< هل تغيير قيادة الحزب هو الذي أدى الى استعادته زمام الفعل؟
<< لابد لي هنا من بعض التفصيل، فضعف أداء الحزب وعجزه عن المواجهة لم يكن بسبب كبر الصدمة التي أشرت اليها فقط، بل كان أيضاً، وهذا أهم، بسبب ترهله التنظيمي، وجموده الفكري، وسوء أدائه، ولاسيما على الصعيد القيادي الذي كان بلا فاعلية تذكر، وفي قطيعة شبه كاملة مع القواعد. ومن هنا كان تغيير القيادة القطرية ضرورة قصوى ومدخلاً لإحداث التغيير التنظيمي المطلوب في مختلف المستويات القيادية الأخرى، وتفعيل الحياة الفكرية والثقافية للحزب، وهو ماتحقق جزء مهم منه في الشهور الماضية.
س6: لنفصل قليلاً في هذا. ماهي أبرز النتائج التي تمخضت عن مؤتمرات الفرق والشعب والفروع؟
<< المؤتمرات كانت حدثاً بالغ الأهمية لأنها أظهرت إرادة بعثية جامعة أكدت على تصويب الأداء، وتجاوز الأخطاء والسلبيات، واستعادة الدور الوطني والقومي، وتفعيل الهوية النضالية. وكل هذا من منطلق الانتماء للبعث والتمسك المبدئي بأهدافه ومشروعه. كما أظهرت المؤتمرات تصميماً وطنياً قوياً على الانخراط العملي وبكل الطرق للتصدي للعدوان الإرهابي وتعزيز صمود الوطن في مواجهة الإرهاب. وعلى هذا يمكنني القول إن المؤتمرات أعادت للحزب ثقته بنفسه وبقدراته، وضخت دماءً جديدة في شرايينه. وعلى سبيل المثال نقول: إن تثبيت العضوية قد شهد إقبالاً منقطع النظير، مما أكد أن الانتساب الطوعي للحزب يتفوق بما لا يقاس على التنسيب الكمي الذي كان يمارس بالطرق الملتوية المعروفة…
وبينت مؤتمرات المؤسسات الحزبية المختلفة أيضاً حيوية الدور الذي يقوم به الحزب على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ولاسيما انخراطه في جهود الإغاثة والإيواء، والمصالحات الوطنية، هذه الجهود التي حققت نجاحاً ملحوظاً في مناطق كثيرة.
< على أهمية ماذكرتم، ألا ترون أن النتائج لم تلب بعد كامل الطموح؟
<< هذا صحيح. ونحن لم نقل أبداً إن المؤتمرات حققت كل شيء، لكن ماتحقق إيجابي جداً، وقد لاحظ الجميع حجم التفاعل التنظيمي الذي خلقته المؤتمرات داخل الحزب، بحيث يمكن القول إنها وضعت حداً لحالة الجمود التي كان يعاني منها. وإذا أخذنا في الحسبان صعوبة الظروف التي انعقدت فيها، وحالة الترهل التي كان يعيشها الحزب في السابق، يمكن القول إن ماتحقق في غاية الأهمية، وإنه يفتح آفاقاً واسعة أمام تطوير الحزب وتفعيل دوره المنشود في مختلف المجالات…
< هل تندرج الدينامية في أداء القيادة الجديدة والتركيز على البعد الميداني للعمل الحزبي، في سياق تغيير منهجي لمفهوم هذا العمل وآلياته، أم إنها نتيجة جهود فردية؟
<< تندرج في سياق تغيير منهجي طبعاً. وهذا التغيير حدده الأمين القطري للحزب الرفيق بشار الأسد، ونحن نعمل على تنفيذه بكل دقة. عملنا اليوم هو مع الجماهير وبينها ومن أجلها. وأخطر الأدواء التي عانى منها الحزب في السابق هي البيروقراطية التي أبعدته عن الجماهير، وشلت بالتالي فاعليته داخل المجتمع.
إن العلاقة الميدانية مع الناس، ومعايشة همومهم ومشكلاتهم، والعمل على معالجتها، يجب أن تكون أولوية لنا في الظروف العادية، فكيف إذا كان شعبنا يواجه مايواجه من آثار ومفاعيل العدوان الإرهابي الآثم الذي سبب أضراراً اجتماعية واقتصادية وأمنية لا حد لفداحتها. علينا إذن أن نكون مع هذا الشعب، وأن ننفذ الى عمق معاناته في كل مكان من وطننا الصامد.
< ولكن ألا ترون أنكم أمام تحد كبير، إذ كيف يستطيع الحزب أن يتحول الى مايشبه الجهاز العصبي للمجتمع، ولم يتخلص بعد من التركة الثقيلة التي يحملها، أو التي تراكمت عبر مراحل سابقة من الانقطاع عن المجتمع، والانغماس في السلطة، والتحجر التنظيمي والفكري؟
<<التحدي كبير فعلاً، ولكننا نستجيب له واثقين بأنفسنا لسببين على الأقل، أولهما أن على رأس حزبنا شخصية قيادية فذة تزودنا دائماً بالتوجيهات السديدة اللازمة، وتبث فينا إرادة الفعل والتغيير نحو الأفضل. وثانيهما هو القواعد البعثية التواقة الى كسر قيود الجمود والنمطية، والانطلاق الى رحاب الفعل الوطني والقومي، واستعادة الهوية النضالية التي مثّلت، تاريخياً، هوية البعث. هذه القواعد هي التي نعوّل عليها اليوم لإيصال الحراك الداخلي الذي يعيشه الحزب الى مداه، أي الى حيث يتخلص من كل الآفات والتشوهات التي علقت به من مراحل سابقة، ولاسيما البيروقراطية، والانتهازية، والفساد.
< دخل العدوان الإرهابي على سورية عامه الرابع. هل ترون نهاية قريبة له؟
<< لا أستطيع التكهن على وجه الدقة، لكن مايحرزه الجيش العربي السوري من انتصارات على الأرض يؤكد أن نهاية ذلك العدوان قادمة لا محالة. فمع الإرهاب لا حل ينفع إلا الحل العسكري الذي يجتثه من جذوره. أما مع من يريد الحل السياسي من السوريين الذين لا ولاء لهم إلاّ للوطن، فنحن مع الحل الذي يختاره شعبنا بإرادته الحرة، ومع المشاركة الواسعة لكل أبناء الوطن في الاستحقاقات الدستورية المعبّرة عن سيادته واستقلاله، وعن الديمقراطية الوطنية التي تجسّدهما…
< ولكن دولاً كبرى وفاعلة كالولايات المتحدة ترفض الاعتراف بالدستور السوري، وتصرّ على «هيئة الحكم الانتقالي» كحل للأزمة…
<< هذا تدخل سافر في شؤوننا لا نقبله. والدستور الذي يرفضونه هو الدستور الذي صوّت عليه شعبنا. ولا يحق لأحد مهما كان أن يقف ضد إرادة هذا الشعب.
< في ردكم هذا، وفي الخطاب الوطني السوري عموماً، تمسك بالموقف الرافض لأي تدخل خارجي، وإيمان قوي بأن الدولة السورية منتصرة، لا محالة، على الإرهاب وداعميه. على ماذا تستندون في هذا الموقف؟
<< الجواب واضح، فمن كان لديه جيش عقائدي كالجيش العربي السوري الذي أذهل أداؤه البطولي العالم، لا يمكن أن يخامره الشك في أن الكلمة الأخيرة هي لهذا الجيش. ومن كان لديه حزب كحزب البعث العربي الاشتراكي، تعلن قواعده أنها على أهبة الاستعداد لبذل أية تضحية في مواجهة العدوان، لا يمكن أن يفقد الإيمان، ولو لحظة واحدة، بما يختزن من إمكانيات النصر. أما من كان لديه قائد كالأمين القطري للحزب الرفيق بشار الأسد الذي يقف العالم حائراً في سرّ صموده الوطني، وقدرته الاستراتيجية الفائقة على تدويخ أعتى حلف دولي وإقليمي تشكل في التاريخ الحديث ضد دولة نامية، ولكنها حرة وأبية، لا يمكن، بكل تأكيد، إلاّ أن يرفع رأسه عالياً، ويسخر من تلك الأسطوانة المشروخة التي لم يملّ الأعداء المنحطون من تكرارها طوال أكثر من ثلاثة أعوام من العدوان.. والنفاق.. والكذب.