“التخطيط والتعاون الدولي” تنتقد سياسات التسعير خلال الأزمة وتتهمها باستنزاف الإيرادات؟! “التجارة الداخلية” تؤكد قدرتها على تحديد أسعار السلع الضرورية للمستهلك.. واقتصاديون يشككون في نجاحها
توجّه الحكومة إلى العمل بسياسات التسعير المركزي أو التسعير الإداري وزيادة الدعم غايته حماية الفئات الفقيرة والمتوسطة، دون أدنى شك، إلا أن بعض جهات الدولة الراصدة للإيرادات تظهر تخوّفها من هذه الأنظمة مستقبلاً على عجلة النمو الاقتصادي، وثمة من يعتقد خلاف ذلك تماماً أنه من الأهمية الآن في ظل الظروف الراهنة رفد خزينة الدولة لا استنزافها، وأن مفهوم التضحية من فئات المجتمع كافة في سبيل تحريك النشاط الاقتصادي يجب أن يعزّز ويرسّخ، وذلك من وجهة نظر همام الجزائري رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي.
أولويات
إلا أن كلا نظامي التسعير المذكورين، يشكل قضايا مهمة لسدّ جزء من النوافذ التي يتسلل منها المحتكرون والمتلاعبون بقوت المواطن، وذلك في حال تم تطبيقها تطبيقاً صارماً وقوياً، كما يقول باسل طحان مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية لـ”البعث”، الذي لم ينفِ صعوبة ترشيد الدعم وترتيب أولويات التحديد في التسعير والتفريق بين السلع المهمّة للمستهلك ذي الدخل المحدود من الأقل أهمية بالنسبة له، ضارباً مثلاً، دعم الحكومة للخبز، ومتسائلاً: كيف يمكن توجيه الدعم في مادة الخبز لفئات المجتمع التي هي فعلياً بحاجة إلى الدعم في ظل ظروف تنعدم فيها الوسائل اللازمة والمناسبة للوصول إلى دقة عالية بتصنيف فئات المجتمع؟، ويعتقد طحان أن كل ما يمكن حالياً هو ردع الفاسدين والمحتكرين ومحاسبتهم، حتى تستقيم حالة الأسواق جزئياً؟!.
إن عملية تصنيف السلع التي يفترض تحديد أسعارها مركزياً أو إدارياً هي إشكالية في حدّ ذاتها، لأن الحكومة بدعمها لمادة الطحين، والمثال هنا لرئيس هيئة التخطيط، تدعم الـ”كورن فليكس” والبسكويت المغطس بالشوكولا والمعجنات، وبدعمها للمعلبات تدعم “سطل الشوكولا” بكل أصناف المادة الفاخرة منها والرديئة على حدّ سواء، بينما تبيّن وفاء الغزي مديرة الأسعار في وزارة التجارة الداخلية إمكانية انتقاء السلع الأساسية للمستهلك وتسعيرها إدارياً حيث يتم تحديد اسمها بدقة، باختصار، تبقى تكلفة “الكورن فليكس” والمعكرونة الفاخرة كما هي دون تسعير إداري وتدعم المواد المماثلة لها الأكثر طلباً لدى المستهلك، واستغربت الغزي في تصريح لـ”البعث” مواجهة بعض الاقتصاديين لسياسة التسعير الإداري على الرغم من أنها لم تُطبّق لتختبر، مبيّنة أن الحكومة وافقت على العمل بهذا النظام إلا أن عدم إمكانية تأمين استيراد المواد المراد تسعيرها إدارياً من الخارج حال دون سريانه، وأنها -أي الحكومة- ماضية قولاً وفعلاً في ذلك ولم تتراجع، وقالت: إن البعض اختلط عليه الأمر بالنسبة للتفريق بين التسعير المركزي والتسعير الإداري، وللتوضيح، فإن المواد التي تحدد هوامش أرباحها (الجملة والمفرق) المطبّقة الآن، هي ضمن السياسة التسعيرية الأولى، التي كان لها دور بارز في استقرار أسعار عشرات السلع الأساسية في السوق، بينما لم يتم البدء بتسعير مادة واحدة إدارياً حتى اللحظة للسبب الذي أشرت إليه آنفاً.
التكاليف
وبالحسم ودون أي جدل عقيم، يرى الدكتور عابد فضلية الخبير الاقتصادي أن الحالة الوحيدة التي ينجح فيها التسعير الإداري للسلع، عندما تكون السلعة منتجة من الدولة أو هي من يستوردها، وهنا يتم وضع سعر إداري يفرض من الوزارة، مشيراً إلى أن التسعير لسلعة ما بشكل موضوعي، يتم لأيام قليلة معدودة، وبالتالي يجب إعادة النظر كلما تغيّرت عناصر التكلفة، لأن عناصر التكلفة غير مستقرة، وبذلك إعادة التسعير في ظل تذبذب سعر الصرف ليست بالمسألة السهلة؟، ومن هذا المنطلق يتوقع فضلية في حديثه لـ”البعث” أن فئة التجار هي المستفيد الأكبر، وخصوصاً من لديه قدرة احتكارية أو سلعة مميزة وضرورية ولها جانب احتكاري، حيث يسعّر حسب أهوائه وحسب الندرة والوفرة وليس حسب التكلفة!.
لم تنجح الكثير من أنظمة التسعير في الظروف الطبيعية، فكيف خلال الأزمة؟ وذلك مع تأثر الصناعة وقلة المواد الأولية وصعوبات النقل والطاقة وتضرر المعامل وصعوبة حساب التكاليف، ومن هذا المنطلق يرى الدكتور فضلية أن التسعير الإداري لا يمكن تطبيقه أو نجاحه إلا على بعض أنواع السلع ولاسيما الغذائية المستوردة، وذلك لسهولة حساب تكلفتها، لافتاً إلى أن مسألة التسعير الإداري ممكنة في حالات معينة، وللسلع المحلية أو حتى السلع الخاضعة للحكومة، مطالباً الحكومة بالتدخل الإيجابي وتفعيل دورها الرقابي لمنع عملية التلاعب بالأسعار التي شهدتها الأسواق خلال الأزمة.
تداعيات
لا شك أن التسعير الإداري أو المركزي اليوم، في ظل الظروف القاسية التي يعيشها المستهلك، يعني وقف سريان قوانين السوق الحر على حزمة المواد الأساسية والضرورية للمواطنين، فتعرّض المواطن السوري لتداعيات الحصار الاقتصادي الظالم، ولقوانين السوق الجائرة أمر لا يمكنه تحمّله، لكننا في الوقت ذاته الذي نؤكد فيه تأييدنا للتسعير الحكومي، وتحديد هامش ربح للمنتج والتاجر، نرى من الأهمية أن تعمل الدولة على إجراء دراسة حقيقية ومعمّقة لتكاليف السلع المنوي تسعيرها بالاستناد إلى القيمة الفعلية لهذه التكاليف، لا إلى قيمة مفترضة أو وهمية؛ وبمعنى آخر هناك اليوم تكاليف إضافية تتعلق بالظروف الراهنة وصعوباتها، يجب إضافتها أو إلغاء سبب تحققها، ثم يصار إلى إضافة نسب الربح المتفق عليها مع المنتجين.
وفي الختام ندعو بالتوفيق لوزارتي التجارة الداخلية والاقتصاد في إمكانية تحديد السلع المهمّة والضرورية جداً للمستهلكين أصحاب الدخل المحدود.
دمشق – سامر حلاس