آخر قذائفهم كانت دولاراً
لا تختلف مقدمات الحرب ولا نتائجها بين الوجهين السافر والخفي لها، فإن كانت الأداة صاروخاً أو قذيفة أو مدمّرة من النوع الذي تعتدّ به استراتيجيات الاستلاب الأمريكي، أو دولاراً ومنازلات ساخنة في أسواق العملات، قد تكون النتائج ذاتها، بل في المصيبة الأولى يكون من الممكن حصر أعداد الضحايا، أما في الثانية فثمة استحالة في تقصّي الآثار المدمّرة لأنها تخص كل مواطن وكل مفصل إنتاجي ومكون اقتصادي، بأبعادٍ مباشرة وغير مباشرة..
اجتزنا وبكفاءة عالية المستوى، اختبارات الميدان العسكري وأروقة السياسة، وامتلكنا من الإرادة والتصميم ما تكفّل بإبطال مفاعيل كل المدمرات الأمريكية، والأسلحة متعددة الجنسيات، وجوّابي الآفاق من كل الأجناس والأعراق التي خُلق بها البشر، وها نحن نستعد للاحتفاء بالانتصار، وثمة ساعة صفر باتت مثار ترقّبٍ من كلّ ناظر ومنتظرٍ في هذا العالم، بعضهم يرقب باسترخاء، وآخرون يترقبون مشدودي الأعصاب، فكانت ورقتهم الأخيرة لإفساد مناخات التفاؤل، عبارة عن دولار لوّحوا به في كواليس الأسواق السورية، وحوانيت الظل والليل، في تحوّلٍ من أسخن أنواع الحروب إلى أبردها، لكن بالتكتيكات والنيات ذاتها..اختلاس الممارسات والدفع بالدسائس و” طبخات” السم الزعاف!!
ليرتنا ليست متأزمة بل مأزومة بمؤامرة كبرى، واقتصادنا كما جيشنا وشعبنا أقوى مما قدّروا وأكثر قدرة على الصمود مما خمّنته مراكز أبحاثهم وخبرائهم المزعومون
ولعلّنا أمام معركةٍ جديدة قوامها نقدي وبعدها اقتصادي وهدفها سياسي استراتيجي، لكنها أسهل بكثير من كل فصول الحرب القذرة التي جرّبناها على مدار سنواتٍ ثلاث مضت.
انتصرنا على أدواتهم في الداخل ولم يكونوا قلّة، كما انتصرنا على الأدوات الوافدة بكل ما فيها من ترسانات سلاح، وقوافل ارتزاق ومصّاصي دماء متعطشة وجائعة كالجراد، فأحرقت وأُبيدت هنا على الأرض السورية.
ولا نعتقد أن الانتصار على أدواتهم في حرب العملات وجولات ليرتنا – هويتنا –في مواجهة الحراب المدبّبة والموجهة على شكل دولار، مهمة صعبة، فثمة حسم منتظر بإجراء لعلّه بدأ أمس بإعلان الحكومة استنفاراً ولو جزئياً للانتصار للعملة الوطنية، وبالتالي لكل مواطن وللاقتصاد السوري بالبعد الشامل للمصطلح.
بدأت حكومتنا تحرّكاتها، والإشعار بالتحرك يعني إشعاراً بالحسم، فالجولة بالغة السهولة، وهذا ما يعرفه حتى “خفافيش السوق” والمضاربون الذين سينكفؤون، كما تنكفئ العصابات المسلّحة بمجرّد أن يلوح خيال العلم السوري المرفوع على ناقلة جنود قادمة من بعيد..
فليطمئن كل من بدأت هواجس الدولرة تتسلل إليه، كما اطمأن وصمد عندما علا صوت التهديد والوعيد الأمريكي والأوروبي، وعلت تردداته على مقربةٍ منّا في المضمار العربي.
بحوزة حكومتنا ” أطنان” من القطع الأجنبي، وإن تحدثت عن ترشيد بيعه واستيراد السلع غير الأساسية، فالشفافية في التصريح والمكاشفة حالة إيجابية نحن من ينشدها ويطلبها، وإن استغلّها المضاربون و” مخربو الفوركس” وجيّروها لمصالح آنية شخصيّة قذرة، سينالون عليها عقاباً كما أي متآمر ومخرّب استجاب لنزواته، ورهن نفسه وعرضه وكرامتة لمن تأبطوا شراً لسورية.
نحن على يقين من أن كل من ضعف وهرب باتجاه مفازات الدولار واليورو سوف يخسرمدخرات، والأيام القليلة القادمة ستثبت أخطاء بعدد الليرات التي دفع بها كل من أخذته الهواجس باتجاه ” أوكار” السوق السوداء، وإن كان من فسحةٍ لحسابات اقتصادية، نقول: إنه من الحكمة أن يبادر كل مكتنز للدولار إلى التخلي وبيع ما بحوزته بدءاً من هذا الصباح، فمتوالية هبوط سعر صرف الدولار ستبدأ، والمبادرة المبكرة تعني خسائر أقل، وهذه معادلة يعرفها جيداً من اشترى بقصد الاكتناز أو صيانة المدخرات.
فلا مجال باقٍ لاستيعاب المزيد من “المغرّر بهم” لأننا مللنا المصطلح أو العبارة، وبعد الصحوة لامجال للاقتناع بالتغرير، وللحديث عن الدولارات المزورة حالياً في السوق السوداء مناسبة أخرى ستأتي لاحقاً، قد يكون اكتشفها الكثيرون ممن أخذتهم غواية اللعب في الظل، فليستدرك مدخراته سريعاً، من لم يكتشف اللعبة بعد.
ناظم عيد