نقطة ساخنة اقتناص الأخبار..
لا نخفي أهمية الدعاية المضادة في شنّ حرب نفسية على المتربصين شراً باقتصادنا الوطني، لكن الأهم أن تكون مدروسة بعناية فائقة في قضايا مثل النقد والمال والأسهم والسندات، المجالات الأكثر حساسية في عالم الاقتصاد، لأن ارتداداتها السلبية في حال الفشل يصعب تداركها في كثير من الأحيان.
إعلان “المركزي” مرة تلو المرة عزمه ضخ القطع الأجنبي في السوق من خلال البيع “كاش” أو تمويل الواردات، للحدّ من صعود دولار السوق السوداء، دون الإقدام على ذلك واقعياً، أو بمبالغ محدودة جداً، لم ترتق لحجم الدعاية وقوتها، زعزع من استقرار سعر الصرف الذي نعمت به السوق لحوالى ثمانية أشهر متتالية، وكان له الأثر البالغ في ثبات أسعار السلع، وكبح جماح التضخم لاحقاً.
ثمّة حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن مضارب “الفوركس” السوري محترف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى- يعرف من أين تؤكل الكتف، ويستفيد من أيّ خطأ ويحوّله لصالحه، وبمجرد تأخر “المركزي” بالضخ يشيع أخباراً ملفقة يرفع سعر شراء الدولار في المرحلة الأولى، لإيهام ممتلكيه أن مؤشره صاعد لا محال، أي أن بيعه في المرحلة التالية سيكون مرتفعاً نتيجة زيادة الطلب عليه في السوق “السوداء”.
اعتماده لهذا الأسلوب هو: كمن يخبر بطريقة غير مباشرة أن المؤسّسات المالية النظامية ستكون عاجزة عن تلبية احتياجاتكم من الدولار يا مواطنين لفترة من الزمن، وبالتالي ليس لكم إلاّ السوق السوداء؟!، وما حدث من قفزات فجائية لسعر الدولار في الأسبوعين الماضيين خير شاهد على نجاحهم فيما ابتغوه.
في مطلع العام الفائت، حصلت الأخطاء نفسها، حيث استطاع “المضاربون” استثمار التصريحات الحكومية المكثّفة والمتتالية والعالية الصوت بالتدخل الإيجابي لتحقيق استقرار نوعي في سعر صرف الليرة، أفضل استثمار، وكنّا نلحظ في كل مرة يتراجع “المركزي” عن تنفيذ وعوده كان المضارب يتقدم بمعدل 10% في تسعيرته للدولار حتى انخفض صرف الليرة أمامه بنسبة 48 % من 125 إلى 335 ليرة في أقل من خمسة أشهر، وتضخمت أغلبية أسعار المواد ولم تعد بعدها كل سياسات الدنيا المالية والاقتصادية قادرة على إعادتها إلى سابق عهدها، رغم تراجع الدولار إلى حدود 140 ليرة.
نحن هنا ندقّ ناقوس خطر مما يهدف إليه “المضاربون” بإعادة سوق العملات إلى اللا استقرار مستغلين غياب “المركزي” واقعياً كلاعب أساسي، وتحويل تصريحاته إلى مجرد دعاية مضادة لتخويف ما يمكن تخويفه من المتلاعبين؟!.
أما المطلوب فهو اقتران الأقوال بالأفعال، لأن الذهاب بسعر صرف الليرة إلى التذبذب من جديد يعني لا استقرار في أسعار المواد كافة دون استثناء.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com