الانعطاف: لقاء الرفيق الأسد بالأكاديميين
لم يكن من قبيل المفاجأة ولا المصادفة انشغال عدد غير قليل من وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث أمس بمفردة واحدة وردت في سياق حديث الرفيق الأمين القطري للحزب الرئيس بشار الأسد أثناء لقائه بأكاديميي كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق.
فقد أُدرجت كلمة «انعطاف» في معرض الحديث عن مراحل الأزمة التي تعيشها سورية في سياقات عديدة متنوعة ومتباينة رأى فيها الإعلاميون والباحثون دلالات غنية تقترن بالمحصلة إيجابياً بالواقع المنجز الذي يجسّد ثقةً: بالشعب وبالجيش وبالنفس.
إنه انعطاف متسارع نحو الأمل والنصر الذي تحقق بعد ساعات في معلولا وماحولها، ويستمر وسيستمر تحققه بشكل متوالٍ في سائر أرجاء البلاد، انعطاف يمضي قدماً لا رجعة فيه إلى الوراء لاقترانه بتنامي الوعي الشعبي الذي رسّخه الانتصار في الميدان.
فبعد نشر خبر اللقاء كثُرت التساؤلات عن سبب اختيار هذه الشريحة من المجتمع، ومن الكليات والجامعات، وبدأ عدد من الرفاق والزملاء يرون فيه استمراراً للقاءات سابقة متميزة، وفاتحة للقاءات قادمة تطمح إليها مختلف المؤسسات والشرائح والأجيال.. إلخ، لتحظى بالحوار مع القامة الوطنية والعروبية الشامخة الصامدة في معترك تاريخي، ولا شك أنه مرير، وسيكون للنصر فيه طعم مختلف، واجتهادات في التدوين والتأويل تنشغل بها المؤسسات والأجيال القادمة.
أتى اللقاء في غمار حملة مسعورة تستهدف الأوطان والأمة والقضية العربية المركزية، تستهدف الهوية والوعي والانتماء، لذلك استهله الرفيق الأسد بالتأكيد على أن «الحرب الفكرية ومحاولات إلغاء أو استبدال الهوية تعدّ من أخطر أشكال الهجمة الاستعمارية… مايدفع للتمسك بأهم مقومات الأمن والاستقرار الفكري والاجتماعي في بلداننا» وهذه لا شك رسالة يجدر بالأكاديميين ولاسيما في العلوم السياسية حملها، وذلك من منطلق الرهان على دورهم في صيانة الوعي وتبديد الظواهر الخاطئة التي يسوّقها مثقفو البترودولار المرتزقة في فنادق الرجعية العربية الذين خانوا القيم والمبادئ والعلم والمعرفة والضمير والأخلاق، وقبل ذلك قضايا الأمة والوطن ومصالح الشعب متنقلين بين دوائر الخراب والقتل والتكفير في السعودية وقطر وتركيا والغرب الاستعماري.
وقد استنتج الحضور من مناخ العرض والحوار الذي ساد اللقاء بروح الرفاقية والزمالة أنهم فريق واحد تجمع بينهم مفاهيم وهموم ورؤى مشتركة، ولذلك أعرب الأكاديميون: أساتذة وطلبة الدراسات العليا عن إفادة واسعة من الإمكانات التحليلية العميقة القائمة على الوطنية والعلمية والواقعية في حوار دام أكثر من ثلاث ساعات، يُؤمل منه أن يكون رسالة إلى جميع زملائنا الأكاديميين وأبنائنا الطلبة في مختلف الكليات والجامعات الحكومية والخاصة، هذه الشريحة التي تقاسمت مع جماهير شعبنا وحزبنا شجون الوطن صموداً ووعياً والتزاماً.
وتأتي قيمة اللقاء في سياق وعي متنام واعد في الشارع العربي بالمكانة العروبية والوطنية التي يعززها صمود الرفيق الأسد، ونتخيّر على سبيل المثال ماورد من هذا القبيل في حديث مفكرين عرب شاركوا بالأمس في «ملتقى الحوار القومي» الذي رعته القيادة القطرية في مكتبة الأسد، إذ وصف خلاله الأكاديمي العروبي المغربي د. إدريس هاني السيد الرئيس بفيلسوف الممانعة، مؤكداً أنه «لم يسمع رئيساً يتحدث بالمفاهيم أدقّ منه». وهذه واحدة من شهادات كثيرة على مَلَكة التجريد والتحليل العالية التي يمتلكها الرفيق الأسد، وهي الملَكة التي ينتبه إليها ويقدرها الباحثون بشكل خاص. ومن هنا يكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة لغناه المفاهيمي على الصعيدين الفكري والسياسي.
وعلى مايبدو فإن الإثارة التي حركتها كلمة «انعطاف» تنبع من اتصالها مباشرة بالأسباب: آ- العسكرية: حيث النجاح في الحرب ضد الإرهاب. ب – الاجتماعية حيث تنامي الوعي الشعبي الذي يعمم وينشر المصالحات الوطنية في كافة أرجاء البلاد. ج – والأهم من ذلك: هو تصميم الدولة «على التفرغ بعد ذلك لملاحقة البؤر والخلايا النائمة».