الخلل في سوق العملات يشي بارتكابات من أيادٍ تستحق البتر خضر: ضرورة التحول والتركيز بشكل أكثر فاعلية على ضبط سوق النقد
يشي تزعزع سعر صرف الليرة مقابل الدولار مؤخراً وتجاوزه حدود الـ165 ليرة، بأن ثمة ارتكابات ما تجري وراء كواليس السوق، ولاسيما أنه حافظ على حدود الـ150 ليرة طيلة شهور عدة، إثر تدخل المصرف المركزي ومحاولاته ضبط استقرار السوق، وهي الحدود الطبيعية في ظل ما تشهده البلاد من أحداث وفق معظم المراقبين. لكن على ما يبدو فإن مسؤولي سياستنا النقدية اعتبروا أنفسهم قد حقّقوا إنجازاً كبيراً عندما خفضوا سعر الصرف إلى هذه الحدود بعد ملامسته حاجز الـ350 ليرة -وللإنصاف لابد لنا من الاعتراف بهذا الإنجاز– إلا أن ثمّة تقصيراً ظهر باتجاه عدم تقوية الليرة كمكوّن أساسي في اقتصادنا الوطني، حال دون استعادة ثقة المواطن بها.
وهنا يرى الاقتصادي الدكتور قيس خضر أن طرح العملات الذهبية السورية (الليرة ونصف الليرة) خفّف الضغط على الليرة السورية، خاصة من الناحية النفسية، أي إنها صارت تستبدل بمنتج محلي وليس بأجنبي منافس، إذ أصبح بديلها الادخاري سورياً ولم يعد أمريكياً، إلا أن ذلك لا يحجب حقيقة أن الليرة نفسها لا تزال معرضة للاستبدال، وبالتالي لا تزال تفقد شيئاً من قيمتها الرمزية والاقتصادية.
تساؤل..؟
وأضاف خضر في حديثه لـ”البعث”: إذا افترضنا أو سلّمنا جدلاً أن الوضع التوازني للسوق هو بحدود الـ 150 ليرة على مدى الأشهر الأخيرة الماضية، فالسؤال الحالي المطروح على صانعي القرار: هل كان بالإمكان تخفيضه إلى حدود الـ 130 ليرة؟ آخذين بالحسبان الاستفادة من العامل النفسي الذي استعادته الليرة السورية بعد الإحجام النسبي عن العملات الأجنبية.
تستحق إراقة الدم
ورأى خضر أنه وضمن هذا الواقع هناك جبهتان لابد من العمل عليهما، الأولى: الجبهة العينية الإنتاجية، والثانية: الجبهة المالية التي يتولّى إدارتها المركزي على وجه التحديد، موضحاً أن ما كان يجب العمل عليه أولاً: التحول والتركيز بشكل أكثر فاعلية على ضبط سوق النقد، أي ضبط عملية العرض والطلب على الدولار والعملات الأجنبية الأخرى في السوق المحلية، وعدم الاكتفاء بالسيطرة على بعض رؤوس “أمراء العملة” في السوق السورية، على الرغم من التأخر في فتح هذه الجبهة، التي كان من المفترض والمتوجّب التوجّه إليها منذ البداية، والتي كانت “تستحق أن يُراق الدم على عتباتها ولكنهم لم يفعلوا..!”، على حدّ تعبير خضر.
ويضيف متسائلاً أيضاً: أما وقد فتحت هذه الجبهة فلماذا لم يتم السير بها حتى النهاية؟ وخاصة أن عملية العرض والطلب في سوق العملات الأجنبية لم تزل غير مضبوطة كما يجب، وذلك على الرغم من تصريحات الحكومة في الأسابيع الأخيرة التي تؤكد أن المركزي سيعود للتدخل وضخ كميات كبيرة من العملات الأجنبية لاستعادة السيطرة على السوق، ما يوحي بأن ثمّة أيادي عمدت إلى الخلل في السوق، يجب أن تقطع، وأيضاً على حدّ تعبير خضر.
ظهور مشوّه..!
أما ما كان يتوجّب عليه ثانياً: فهو أن هناك باباً لم يفتح بعد وهو باب المالية السلوكية والمتعلقة بكيفية صنع القرار النقدي، ولفظه، وصياغة مفرداته، وكيفية انتقاء ورسم ونحت مفردات السياسة النقدية، قبل إظهارها وإعلانها إلى الشارع السوري، فالظهور الإعلامي لمسؤول السياسة النقدية –حسب خضر– يجب أن يوحي بأن صانع القرار النقدي يعرف المتلقي المعنيّ تماماً بتلقي خطابه ورسالته، وأثر عرض الفكرة عليه، فالقول –على سبيل المثال– (تم إنقاذ 50% من ركاب الطائرة المنكوبة، يختلف عن القول بأن 50% من ركابها لقوا حتفهم) رغم أن الحقيقة واحدة.
مأخذ
وفي السياق ذاته يرى الاقتصادي الدكتور موسى الغرير أن ما يؤخذ على التدخل لتثبيت أسعار الصرف أن معالجة النتيجة جاءت إدارية يغلب عليها الطابع الزجري والعقابي، وليس بمحفزات اقتصادية إنتاجية تؤدي إلى معالجة الاختلال ما بين الاقتصاد الحقيقي والنقدي، إضافة إلى أن هذا التدخل جاء متأخراً في التوقيت، حيث كانت الأسعار قد ارتفعت إلى ما قبل التدخل إلى مستويات عالية، ولم تنخفض بعده –في كثير من الأحيان- رغم انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
من الآخر
على ما يبدو أن تعاطي السلطة النقدية مع سعر الصرف لم يُبنَ على أساس علمي مدروس، وإنما على ردّات فعل السوق المضطربة، ولم تمتلك زمام المبادرة لضبطها، ولعلّ أحد العوامل التي ساعدت في عملية الضبط هو توجّه المدخرين نحو الذهب، كونه أقل هشاشة وأكثر صلابة في مواجهة الأزمات.
دمشق– حسن النابلسي