إشراقة المجد
في السابع عشر من نيسان تعود بنا الذاكرة إلى تلك الليلة التي كانت نقطة التحوّل في حياة الشعب السوري، حيث أخذت سورية تغزل من خيوط الشمس مجد تاريخها ومستقبل أبنائها الذين يتباهون بوجودهم في وطن يضمّهم ويمثّل انتماءهم للحياة، فنرى كل مواطن من موقعه يعبّر عن فرحه بهذا الانتماء، هي ثقافة الإرادة الإنسانية التي تعلو على كل الثقافات الجزئية، فما يعيشه الإنسان من حالات تصبح جزءاً من وعيه لانتمائه الوطني، هؤلاء الناس المتقدة قلوبهم بشعلة الإيمان والأمل على تجاوز محن الحياة هم من يملكون القدرة على صياغة الحاضر والمستقبل بإرادة وتصميم على مواجهة كل التحديات، هذا مارسّخه يوم الجلاء منذ ثمانية وستين عاماً في وجدان الشعب السوري الذي امتلك مقومات الحلم والإرادة وسر الحياة، ومازال مفعماً بالعطاء ومستعداً لتقديم كل ما يملك في سبيل أن تبقى راية سورية خفاقة في سماء العزة والكرامة الإنسانية. فالمواطن السوري يدرك معنى الحياة التي تجمعه مع الآخر النقيض له بأفكاره وسلوكه وحتى نظرته للحياة وأسلوب تعبيره عنها.
اليوم.. وفي زمن الوجع الذي يحفر ندوبه عميقة في أرواحنا، يحضر التاريخ.. يتبختر في أروقة المكان لينسج بعبقه المجلي عباءة المجد التي ارتدتها سورية على مر العصور.. سورية التي تحمل في جعبتها حكايات وقصصاً فيها من الحب والشغف الكثير، تستنهض الربيع لينشر نسغه في عروق يبّستها الفواجع والأوجاع.. فيستيقظ ياسمينها لينشر أريجه في أرجائها ويرتب مواعيد الاحتفال والفرح في يوم الجلاء الذي رسم لسورية مجدها المسطّر على أشرعة الحلم القومي.
هذه هي سورية حبيبتنا التي ترسم أحلامنا.. وفي لحظة من عمر الزمن يهمي كل الياسمين من عليائها في قلوبنا، ويفترش الحنين ضلوعنا.. يدخل اسمها في وقع أيامنا من بوابة الشغف فتفتح قلوبنا على الحياة، وحالما نغلق جفوننا عليها ينهمر المطر..
سورية التي تعيش الآن ذكرى استقلالها وهي تعاني ما تعانيه من ألم يأتي احتفالها مترنماً على وقع أقدام نسورها البواسل الذين يسطرون في كل يوم انتصاراً جديداً يطوق جيدها بياسمين العزة والفخار.. سورية التي كانت على مر الزمن موئلاً للثقافة والتراث العربي والعالمي ستبقى حلماً لعظماء التاريخ لزيارتها والاطلاع على تراثها وأوابدها التي شهدت بزوغ الحضارة.. هي تلك المشاعر التي تشكل نبضنا وتتوسد أرواحنا، وتفتح نوافذها لنسائم السلام لتهب على قلوبنا المطبقة على أوجاعها تنتظر تبدل الفصول لتزهر على شفاهها أزاهير الربيع.. هاهو التاريخ يعود إلينا عبر الذاكرة، يروي للأجيال القادمة حكايات لاتنتهي عن سوريتنا التي يرتسم المجد على جبهتها تضحيات قدمها أبطال سورية من أجل أن يعيش وطنهم عرس الاستقلال وتبقى راية الكرامة والقيم ترفرف في سمائها… ولتكون كل مدينة في سورية عاصمة الدنيا، وإشراقة لتاريخ المجد الذي لم يغب.
سلوى عباس