ثقافة

عيد الجلاء في خواطر الأدباء

عيد الجلاء.. عيد الحرية يتجدد كل عام في شهر الربيع والأزهار، فكان الشعر الأسبق للتعبير عن هذه الفرحة الكبرى بقوافيه وموسيقاه، فحجب السمع والبصر (ولو إلى حين) عن بلاغة الأدباء الذين عبروا أحسن تعبير لبيانهم البديع عن الفرحة بهذه المناسبة العظيمة التي تأتي في فاتحة أعيادنا الوطنية السورية، ألا وهو عيد الجلاء. فلم يفت أصحاب البلاغة أن يعبروا عن فرحتهم بهذه المناسبة العظيمة؛ فكان بيانهم المشرق المعبر عن خلجات نفوسهم العربية الأبية، من أرض الكنانة، ومن كالأديب العربي الكبير أحمد حسن الزيات، صاحب مجلة «الرسالة» الغراء بأسلوبه المشرق وبلاغته الناصعة، يعبّر عن فرحته وفرحة أبناء الأمة العربية بهذا اليوم المجيد فيقول:
“وهل نسيتَ يومَ الجلاء في سورية؟ وكيف تنساهُ أُذُنُ الحي ولا تزال أناشيده وزغاريده تدوِّي في سمع الزمانِ؟! جلت جنود الاستعمار عن أرض سورية العزيزة، فاهتز العالم العربي اهتزاز الغبطة، واعتز اعتزاز النصر، وشعر كل فردٍ من أفراده، في مختلف بلاده”
أما الأديب والشاعر العربي السوري الذي جذبته أرض الكنانة، عادل الغضبان صاحب مجلة الكتاب ذات البيان المشرق، فيهزه هذا الحدث الجلل.. فيترك العنان لبيانه الساحر، فيجتمع لديه ملكة البيان، وعظمة عيد نيسان فيحلق في الأعالي فيقول:
“يوم أغر مشهَّر سيظل أنشودة في فم الزمان، وبسمة في ثغر الصباح، يوم ألهم الشعراء والخطباء بجوامع الكلم ونيرات القوافي فخلبوا الألباب وفتنوا النهى بأهازيج النصر وترانيم الظفر سينشدونها تحية لشعب صغير في عدده كبير في هممه نال الحرية والاستقلال”.
أما الأديب البليغ علي الطنطاوي فيرى في هذا اليوم المجيد ما يبهج النفس، فيتذكر الأيام القاسية التي مرت على هذا القطر المناضل وكيف ضحى أبناؤه بأعز ما يملكون فيقول:
“ألا إنه يوم الفرحة الكبرى، إنه اليوم الذي كان كل عربي يريد أن يراه، ولا يبالي إذا رآه أن يموت بعده، إنها الغاية التي سرنا إليها خمساً وعشرين سنة، وتسعة أشهر، نطأ الحراب، ونخوض اللهب، ونسبح في الدم، ونتخطى الجثث، وننشق البارود».
أما المربي الأديب الموسوعي «شكري الفيصل» فيقارن بأسلوبه الممتع بين عهدين، عهد الطغيان، وعهد الحرية، فها هو يخاطب علمنا الحبيب من مقال له بعنوان: «يوم.. ويوم!» فيقول:
“.. وأين يوم من يوم، أيها الخفاق، منذ خمسة وعشرين عاماً، آب الناسُ إلى بيوتهم تقطعهم الحراب: الشهادات على أفواههم، والجراحات في أجسادهم، والدماء من خلفهم ومن بين أيديهم، ومُلك فيصل النضير يجتاحه الغزاة العتاة كما تجتاح الزوبعة الروض الممرع… واليوم، بعد هذه السنين الطوال العجاف، لا تُظِلُّ البيوتات رجلاً أو امرأة، شاباً أو فتاة.. لقد خرج الناس تهزج لهم المنى، وتغني لهم الأحلام، الزغردات على أفواههم، والعزمات ملء برودهم، ومجد أمية من وراء العصور يتلألأ في أذهانهم”.
ثم يتابع الأديب العلامة «شكري فيصل» ببيانه المشرق وصف محبة ومكانة علمنا الحبيب في نفوس أبناء هذا الوطن فيخاطبه فيقول معاهداً إياه:
«.. لعينيك، يا علمي، لألوانك الزاهية، ونجومك الزاهرة، وبريقك الحلو.. هذه العزمات المتدفقة كهذا النُّهُر، النقية كهذه السماء، الرائعة كهذا المساء! إنك بضعة قلوبنا، يا علمي، فاخفق في ذرى الوطن حارساً وأميناً.. ولتتحدث نسائمك إلى شهداء «ميسلون» تحمل لهم الحياة والفرحة».
أجل إنه ليوم أغر من أيامنا الغر، سيبقى على مدى الدهر يوماً عزيزاً على قلوبنا جميعاً مادام عز أمتنا العربية، لأنه يمثل صفحة مشرفة من تاريخنا المجيد، كتبت بدم الشهداء وبدموع النساء.. إنه يوم الجلاء.
أحمد سعيد هواش