بين قوسين من سيعيد إعمار سوريّة؟
تكثر الاجتهادات والاقتراحات في ملف “إعادة الإعمار” وكأنّ العملية بدأت أو ستبدأ خلال أيام!.
والإشكالية الكبرى هنا أن ملف الإعمار لم ينجز حتى الآن وهو لا يزال مجرّد مشروع قيد الدراسة على طاولة الحكومة.
ويقال منذ عدة أشهر: إن البنية التشريعية لهذا الملف أصبحت شبه جاهزة، وهذه عبارة مطاطة تحتمل عدة تفاسير، تماماً مثلما قيل إن الحكومة حسمت أمرها بالتوجّه شرقاً منذ ثلاثة أعوام، ومع ذلك لم يترجم هذا الحسم حتى الآن!.
وتوحي وزارة الأشغال العامة بأنها المسؤول الوحيد عن إعادة إعمار سورية، مع أن هذه المهمة أكبر من إمكاناتها وتحتاج فعلياً إلى مجلس أعلى لإعادة الإعمار برئاسة رئيس الحكومة!، ونحن نستغرب عدم تشكيل هذا المجلس الذي يجب أن يتبع له صندوق وطني لإعادة الإعمار حتى الآن.
وبدلاً من الاجتهادات والتفسيرات المتناقضة والحماسية، من الضروري أن تجيب الحكومة عن أسئلة مهمة جداً من قبيل: مَن سيعيد إعمار سورية وكيف؟.
والإجابة عن هذا السؤال ستحدّد مستقبل سورية السياسي والاقتصادي،
فلو أخذنا التجربة اللبنانية القريبة منّا فإن إعادة إعمار ما خرّبته الحرب الأهلية هناك ورّط الدولة في دين يزداد سنوياً حتى تجاوز مبلغ 60 مليار دولار، ولا تكاد تقوى الحكومة اللبنانية على سداد فوائده للجهات المقرضة المحلية والخارجية ما جعل لبنان أسيراً للسياسات الغربية!.
وبالتالي لا يجب أن تدفعنا الحماسة لإعادة الإعمار إلى استدراج عروض شركات عالمية لتنفيذ هذه المهمة، فالقروض تبقى قروضاً سواء أتت من الشرق أم من الغرب.
ما نريد قوله أن الأهم من التفكير باستدراج العروض هو التفكير بمصادر التمويل بما يؤدّي إلى إعادة إعمار سورية دون إغراق البلد بالديون التي قد تضطر الحكومة إلى تسديد ثمنها سياسياً واقتصادياً خلال حقبة ما بعد الإعمار أي حين تبدأ عملية تسديد الديون!.
وقد يكون بداية الخطر الذي سيهدّدنا في مرحلة إعادة الإعمار، التشكيك منذ الآن بقدرة الشركات الإنشائية العامة على التصدي وحدها لهذه المهمة كذريعة لاستجلاب الشركات العالمية، وهذا التشكيك صحيح تماماً، لأن الحكومات السابقة قضت بالتدريج على إمكانات هذه الشركات لمصلحة شركات منافسة خليجية بشكل خاص!.
ولكن بدلاً من التشكيك لتبرير استجلاب شركات عالمية، يجب أن تعمل الحكومة على إعادة الحياة إلى الشركات الإنشائية كما كانت منذ ثلاثة عقود عندما نجحت في مهمّة بناء سورية الحديثة التي يدمّرها الإرهاب التكفيري منذ ثلاثة أعوام!.
علي عبود