نقطة ساخنة على محكّ الحقيقة
عرّت السنوات الثلاث الماضية وما شهدته من أحداث مؤسفة، معادن كثير من جهاتنا الرسمية وأكدت عدم مبالاة مديريها -وأحياناً وزرائها- ووضعتهم على محكّ حقيقة عملهم وإنجازاتهم، ولاسيما الجهات ذات الصلة بالشأنين المحلي والمعيشي، وكشفت حقيقة تسيّب جيوش موظفيها غير الآبهين بخدمة الوطن والمواطن.
بإمكان القاصي والداني أن يلمس حجم المخالفات والتجاوزات التي حلّت في جميع قطاعاتنا الخدمية والمعيشية والتجارية –وهنا نتكلم عن المناطق الآمنة- وما تمخّض عنها من نتائج وآثار سلبية لم تشوّه مفاصل حياتنا اليومية فحسب، بل تعدّتها في محاولة لتكريسها وكأنها حق مكتسب لكل مخالف، لتصبح الفوضى منهجاً، والقفز فوق القانون عنواناً، والظفر بالمآرب غير الشرعية بطولةً!.
للتوضيح نعرض أمثلة ليست حصرية علّنا نستطيع تشخيص الحالة وتوضيحها لمن يرغب -ونقصد هنا بالتحديد المفاصل المتقدمة في كل قطاع- ونبدأ من العاصمة التي تحوّلت إلى حالة من الفوضى العارمة في مشهد يذكّرنا بمدن منسيّة نشاهدها بين الفينة والأخرى في بعض البرامج التلفزيونية والإخبارية، وهي تعرض مظاهر التراجع وتدنّي مستوى الخدمات والبنية التحتية فيها، عبر تسليطها الضوء على أسواقها المفتقرة إلى أدنى مستويات الجودة والتنظيم، والعشوائية، وتدهور واقع النقل الداخلي.. إلخ.
للأسف هذا ما نلمسه في مدينة دمشق، فالوضع ازداد سوءاً هذه الأيام بعد أن تحوّلت أرصفة شوارع العاصمة الرئيسية رويداً رويداً إلى أسواق مسقوفة بشوادر ممزّقة وصفيح مهترئ، بعد أن كانت عبارة عن بسطات يُنظر إلى أصحابها بعين العطف والشفقة، ليصبحوا في ظل تراخي أجهزة رقابة المحافظة أصحاب حق، واستطاعوا بتشبّثهم بهذا الحق المزعوم تحييد المارة عن الرصيف وإجبارهم على المشي ضمن الشارع وسط زحمة السيارات الخانقة، آملين من السيد محافظ دمشق وأعضاء مكتبه التنفيذي المعنيين بهذا الشأن أن يعاينوا ما ذكرناه أمام كلية الحقوق في منطقة البرامكة حيث يمكن أن يشاهدوا واقعاً أمرّ مما أوردناه!.
لعل الخطورة تكمن فيما يباع في هذه الأكشاك المهترئة من مواد غذائية وأدوات كهربائية وقرطاسية وغير ذلك من المواد والسلع البعيدة عن أعين أجهزة حماية المستهلك، ولاسيما أننا نشك بطريقة دخولها إلى بلدنا وتغلغلها في أسواقنا، ناهيك عن مدى صحّة جودتها وصلاحيتها وسلامة استخدامها.
وإذا ما انتقلنا إلى بقية المحافظات وخاصة في أريافها فسنرى العجب العجاب، من استنزاف الثروة المائية في سباق محموم لحفر الآبار غير النظامية من منطلق (حلال على الشاطر) دون أدنى حسّ بالمسؤولية، بل إن بعضهم عمد إلى حفر أكثر من بئر لعدم وجود رقيب أو حسيب! ناهيك عن قطع الأشجار الحراجية، والتوسّع السرطاني للبناء العشوائي، والارتفاع غير المبرّر للأسعار، وتحليق بدلات الإيجار إلى مستويات خيالية و..و..و…
وبدلاً من أن يشيد مسؤولونا بإنجازاتهم المحدودة ومن إلقاء تُهم التقصير على من سبقهم من إدارات، وأن يكيلوا علينا بوعود وتسويفات، عليهم أن ينزلوا إلى الشارع ويعاينوا معاناة المواطن الحقيقية وما يدفعه إلى القيام بالتجاوزات والمخالفات غير المبرّرة ليقطعوا الطريق عليها بتأمين كل ما يمنع وقوعها، فهل من مجيب؟.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com