خبير قانوني: فساد مرعب في الجهات المسؤولة عن أعمال التشييد والبناء وحداتنا الإدارية وتجار البناء متّهمون بتشويه مدننا… والأراضي تدخل مرحلة الضبابية المخيفة!
لا يخفى على أي مراقب أن يلمس كثيراً من تجاوزات تجار البناء التي لا تراعي اعتبارات التخطيط التنظيمي وما يتطلبه من جماليات بيئية وعمرانية، ليجد -على سبيل المثال لا الحصر- التعدّي الواضح على المساحات الخضراء والوجائب الفاصلة بين الأبنية من خلال التلاعب بمساحات البروزات لكسب أكبر مساحة ممكنة، وزيادة في الطوابق العلوية لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، ما يؤدي في النهاية إلى تشويه المنظر العام للمنطقة وعدم تأمين التهوية المطلوبة للسكن، ليس هذا فحسب بل إن أصحاب هذه المحاضر يصالحون عليها في البلديات والوحدات الإدارية التابعة لها لقاء مبلغ من المال يدفع لها تحت بند تصحيح الأوصاف التي لا تُصحّح إلا على الورق، دون أن يتم قمع معظم هذه المخالفات على أرض الواقع، ما يثير بالنهاية الشكوك حول رؤساء البلديات وتواطئهم مع التجار لتمرير التجاوزات ولو على حساب البيئة والجمالية العامة للمدينة وراحة السكان.
المواطن بريء!
المحامي صلاح الشريف المتخصص في القوانين العقارية لم ينفِ وجود فساد مرعب في الوحدات الإدارية المسؤولة عن أعمال التشييد والبناء، وهذا الأمر يوجب على مفاصلنا الحكومية معالجته بجميع الوسائل الممكنة ولاسيما أن الحكومة بدأت تعدّ العدة للإعمار كما تفيد الأنباء الواردة من أروقتها، موضحاً أنه في عام 2003 صدر القانون رقم /1/ الخاص بقمع المخالفات، وفي عام 2008 صدر القانون /59/ للغاية نفسها، وبين هذين العامين شيّدت مدن كاملة بشكل مخالف ما يدل على استشراء الفساد في وحداتنا الإدارية، ناهيك عن عشرات المخالفات التي ظهرت للعيان خلال الأشهر الأخيرة ما أدّى إلى زيادة تشويه مدننا وبلداتنا، معتبراً أن المواطن لا يتحمل المسؤولية في هذا المجال وإنما القائمون على تنظيم القطاع العقاري.
تنظيم من نوع آخر
وأضاف الشريف: في أوروبا بشكل خاص والدول المتقدمة بشكل عام يتم إعطاء رخصة البناء وفقاً لنظام الشرائح، بمعنى أنه في حال رغب أحد المستثمرين العقاريين في استثمار مساحة ما للبناء عليها -ولتكن 1000م2 – فإنه يعفى من الضريبة في حال قام ببناء 30% من تلك المساحة ولمدة عشر سنوات، ويعفى لمدة خمس سنوات إذا بنى 40% منها، لكنه لا يعفى من الضريبة في حال استثمر 50%، ويدفع الضرائب بشكل تصاعدي كلما ازدادت نسبة المساحة المستثمرة، وذلك بهدف المحافظة على المساحة الخضراء ضمن المنطقة المعدة للبناء، فنظام الضريبة التصاعدية ينظم البناء بشكل تلقائي.
ضبابية مخيفة
في المقابل برّر تاجر بناء تعدّيه على الوجائب لتحصيل أدنى قدر ممكن من الأرباح وليس أكبر قدر، بكون أسعار الأراضي في الأصل مرتفعة جداً، والتزام التجار بالقواعد والشروط الفنية الرسمية يحدّ من أرباحهم بشكل كبير وأحياناً لا يحققون أية أرباح، وهذا ما يضطر معظم التجار إلى عدم ترك مساحات شاسعة بين الأبنية، داعياً الدولة إلى تأمين أراضٍ للبناء من خلال التوسع بالمخططات التنظيمية وخاصة في الأرياف، عسى أن يؤدّي ذلك إلى تخفيض الأسعار التي وصلت في بعض مناطق ريف دمشق إلى 1مليون ليرة للقصبة الواحدة عام 2010، مشيراً إلى أن أسعار الأراضي الآن في حالة من الضبابية المخيفة –على حدّ وصفه– إذ إنها مرشحة لارتفاع غير مسبوق في غمرة الحديث عن إعادة الإعمار الذي يسيل له لعاب المتربّصين لجمع ثروات خيالية.
دمشق – حسن النابلسي