هل يواجه الحزب أزمةً أم عدواناً؟
يتساءل عدد كبير من الوطنيين والعروبيين في سائر الأقطار العربية عن الدور الراهن الذي تضطلع به – أو يجب أن تضطلع به – القوى الوطنية التقدمية في التحدي التاريخي والمصيري الذي يواجه هذه الأقطار بل الأمة جميعها ولاسيما مع بروز دور الرجعية العربية المدعومة بالعامل الصهيو-أطلسي مع مفرزات التطرف والتكفير والإرهاب.
ولا شك في أن كثيرين يرون انحساراً في دور القوى الوطنية التقدمية، بل تراجعاً يصل إلى أبعد من الانكفاء الذي لم نشهد له مثيلاً في القرن الماضي، زمن النضال التحرري ضد الاستعمار القديم والجديد والصهيونية والرجعية العربية.
والحقيقة أنه في الواقع الراهن والصعب الذي نمرّ به لم تقم كثير من النخب السياسية والثقافية بما يمليه عليها الالتزام الإيديولوجي، فضاع بعض منها في غمار اصطفافات سياسية أربكته وأوصلته – عن غير جهل – إلى بلاط الرجعية التقليدي وهو يعلم أنه بلاط لا ينفصل عن العوامل الداعمة للمشروع الصهيوني في المنطقة، فهؤلاء لا يجهلون وهم يهرولون مثلاً نحو قطر وتركيا أن لهما علاقات متميزة مع إسرائيل، بل مع الصهيونية العالمية.
هذا الواقع يفرض اليوم على القوى السياسية الوطنية التقدمية أحزاباً ومنظمات ونقابات أن تحدد بوضوح وقوة مواقفها وبرامجها في المواجهة دون انتظار، وعليها أن تنطلق من أن الواقع الموضوعي لا يمكن أن يقف طويلاً في الفراغ أو في حالة تردد وتريّث، لأن هذا الواقع في حركة دائمة، وهناك قوى اجتماعية وسياسية أخرى ستبادر مسرعة إلى ملء الفراغ.
وعلى هذا الأساس بادر حزب البعث ومنذ بداية المؤامرة على سورية – وعليه – إلى تحديد موقفه ودوره في المواجهة التي بذلت قياداته وكوادره وجماهيره كل مافي وسعها لدحر المؤامرة، فارتقى منها شهداء كثر من قيادة الحزب ومن كوادره في مختلف المستويات والمحافظات.
وقد انطلق الحزب في هذا من الواقع الذي يؤكّد أنه لا يعيش في أزمة داخلية: لا تنظيمية ولا فكرية، فقد بقيت مؤسساته وجماهيره متماسكة مدركة أن استهداف الدولة الوطنية السورية بدورها ومبادئها وثوابتها قرين استهداف الحزب بأهدافه وباستراتيجياته، وأن القوى التي استهدفت الطرفين هي قوى الخصام التاريخي من استعمار ورجعية وصهيونية، حيث الصدام مستمر وليس طارئاً ولذلك قال الأمين القطري للحزب الرفيق بشار الأسد: «إن سورية بعد الأزمة بحاجة أكثر مما قبل الأزمة إلى فكر حزب البعث».
إذن، فحزب البعث لا يواجه أزمة على غرار الأزمات التي واجهها في تاريخه ولاسيما بعد حركة 23 شباط 1966 مع اليمين، ولا ماحدث إثر قيام الحركة التصحيحية عام 1970… من خلاف في السياسات والاستراتيجيات وليس في الإيديولوجيا. ومن هنا كان تأكيد الأمين القطري للحزب في لقائه كوادر الحزب في 7 نيسان الجاري «أن استهداف الحزب ومحاولة تشويه صورته منذ بداية الأزمة لم تضعفه بل زادته قوة لأنه استمرّ قاعدة أساسية في العمل الوطني والقومي».
إن الحزب يواجه اليوم عدواناً شرساً على دوره النضالي، وعلى أفكاره وأهدافه الوطنية والقومية، وهي مواجهة تاريخية لم تنقطع منذ نشوئه، وعلينا أن نتيقّن أنها لن تنقطع مالم تتحقق أهداف البعث في هزيمة المشروع الصهيو-أطلسي الرجعي، وهي أهداف أنصارها كثيرون في المجتمع العربي والدولي، ويجب على سائر القوى الوطنية التقدمية في المنطقة والعالم أن تنتصر لدورها التاريخي المعهود في مواجهة هذا العدوان الذي يعيث دماراً وتكفيراً وإرهاباً في مساحات واسعة من الأرض ومن العقول.
فالأزمة هي العدوان الذي يستهدف مصالح الشعب وقضايا الأمة «ويقع على عاتق كل بعثي مواجهة مختلف أشكال هذا الاستهداف المنظّم».
د. عبد اللطيف عمران