على هامش مسرحيته “نبض” المخرج مأمون خطيب: الأم هي الشهيد الحيّ الذي يروي وجعنا
بعد غيابه النسبي عن المسرح، ريثما يجد فكرة مناسبة للمرحلة التي تمر بها سورية، وبعد الإصرار على تقديم عمل إنساني صالح لهذه اللحظة، ولأي ظرف، جاءت فكرة مسرحية “نبض” للمخرج مأمون خطيب، والتي تُعرض حالياً على خشبة مسرح الحمراء، حيث تلمّس أن الخاسر الأكبر في هذه الحرب هو سورية، سواء كانت الأم سورية التي تفقد كل يوم ولداً من أولادها، أو الأمهات السوريات، وبعد أن وصل إلى قناعة أن الأم هي الشهيد الحيّ الذي يروي وجعنا في هذه الأزمة، أوضح خطيب في حوار “البعث” معه أن فكرة النصّ موجودة أساساً في ضمير كل شخص، وقد وجد جذرها الحكائي في مسرحية “أمهات الرجال”، ولأن عوالمنا أغنى منها اتجه إلى صياغة نصّ يحكي عن أوجاعنا اليومية، ولأن الممثل عنده شريك حقيقي في نص “نبض”، يبيّن أن الكتابة الآنية على الخشبة مورست أكثر من مرة، وبعد ارتجالات كثيرة مع كل ممثلة على حدة بمساندة الدراماتورغ حازم عبد الله ليكون النصّ في النهاية نتيجة عمل جماعي شارك فيه الجميع، وهذه عادة خطيب في كل عمل من أعماله، فتحقق ذلك عن طريق النقاش اليومي مع الممثلات اللواتي أغنين شخصياتهن من أمثلة الحياة نفسها.
وعن إمكانية نجاحه في عدم الوقوع في مطبّ السياسة، يؤكد خطيب أن وجهة النظر الإنسانية لا تُسيّس، وبالتالي لم يكن هدف العاملين في المسرحية التسييس، بقدر ما كان الهمّ الأكبر ينصبّ نحو عكس آلام إنسانية لأمهات يصلحن لأي زمان ومكان، مبيناً أن من يريد أن يسيّس ما يقدمه له الحقّ في ذلك انطلاقاً من قناعته بحرية الرأي، مؤكداً، في الوقت ذاته، على أن المشاركين في العمل لهم الحقّ أيضاً في أن يعبّروا عن آرائهم، وهو حقّ يمنحهم إياه المسرح الذي يتيح المجال لكل واحد أن يقول كلمته، مشيراً إلى أن المسرحية تتناول أكثر من وجهة نظر ضمن الوطن.
وحول إشكالية مناقشة المسرح للأزمة ما بين مؤيد ومعارض لهذه المناقشة قبل الانتهاء منها، يشير خطيب إلى أنه مع الرأي الذي يدعو إلى مناقشة الأزمة بعد الخروج منها لنتلمس نتائجها النهائية، ولكن هذا برأيه يصحّ في حال تقديم أعمال توثيقية، أما في حال تقديم عمل إنساني يصلح لكل زمان ومكان، فهذا لا يمكن تأجيله، لأن خسارة الأم لأبنائها فكرة خالدة مثل الحب والسلام والحرب، محذراً، في الوقت ذاته، من تقديم ما هو انفعالي، أو إعلاني، أو انطباعي، موضحاً أنه تروّى كثيراً قبل عرض “نبض”، وقد كان طيلة هذا التروّي يفكر في آثار هذه الحرب على كل أم.
ولأن المتتبع لمعظم أعمال خطيب يلمس قدرته الكبيرة على خوضه لعوالم المرأة، وميله نحو الغوص فيها، يبين خطيب أن الفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى صدق عواطف المرأة في حال أدائها في الحياة، وعلى الخشبة، ولتنوّع عوالمها، من هنا كانت موجودة في كلّ أعماله، وما هذا العمل إلا تحية حب منه لهذا الكائن اللطيف، مع تأكيده على أن الحديث عن عوالم المرأة ليس بالأمر السهل، وهو أكثر صعوبة من الخوض في عوالم الرجل، أما نجاحه في الخوض في هذه العوالم، فالسبب برأيه يعود إلى الخيارات الصحيحة التي يقوم بها كمخرج على صعيد الممثلين الذين يجسدون هذه العوالم، فهم يساعدون في تجسيد فكرته، وهذا يعني أن خطيب ينظر إلى الممثل على أنه شريك حقيقي في أي عمل يقوم به، أما انحيازه للواقعية في أعماله فيعود إلى قناعته بأن الأعمال الواقعية هي الأقرب إلى الجمهور، وهو منحاز إلى الواقعية الحياتية لا اليومية، وبشكل أدقّ يشير إلى أنه منحاز أكثر للصدق الفني في الاختيار، والأداء، والرؤية، ويتمنى أن يبتعد أكبر قدر ممكن عن فذلكات المسرح، إيماناً منه بأن هذا الفن يجب أن يكون للناس بمختلف شرائحهم، مؤكداً أننا اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى أن نكون واقعيين في أعمالنا، وإن كان يدرك أنه مهما فعلنا لا نستطيع أن نقترب من عمق الحياة، كما لا نستطيع أن نجاري الطبيعة، خاصة في الظرف الحالي، لأن ما يحدث أقسى ما يمكن أن يحدث.
وختم خطيب حواره معنا، مشيراً إلى أن خصوصية العمل تنبع من صعوبة التواجد في مكان العمل، وجمع فريق مؤمن بفكرة في زمن اختلاف القناعات، ولذلك كان من المهم بالنسبة له أن يجد ممثلات مستعدات أن يكنّ جنوداً بكل معنى الكلمة في الحرب من خلال الفن، ولذلك لا يسعه إلا أن يوجه الشكر الكبير لبطلات “نبض”: «رنا جمول- هناء نصور-نسرين فندي».
أمينة عباس