بين قوسين وزارة للقطاع العام
تُردّد الجهات الحكومية ومعها النقابات العمالية منذ أكثر من عقدين من الزمن معزوفة “إصلاح القطاع العام ضرورة اقتصادية واجتماعية”!.
ولم “تتحفنا” الحكومات المتعاقبة بخطة محكمة لترجمة هذه المعزوفة إلى فعل يحوّل الضرورتين الاقتصادية والاجتماعية إلى أمر واقع.
وإذا كانت الحكومات السابقة رفعت شعاراً جميلاً: لا خصخصة ولا تخصيص.. فإنها بالمقابل تركت القطاع العام لمصير أنكى من الخصخصة:لا إصلاح ولا تطوير ولا تحديث!!.
بل يُسجل لوزير الاقتصاد الأسبق الدكتور محمد العمادي ابتكار مصطلح خلّاق وفريد من نوعه -بالكاد يتذكره أحد الآن- هو “خصخصة القطاعات” الذي لا يزال ساري التطبيق حتى الآن!..
ماذا يعني هذا الشعار الذي أبصر النور بعد صدور قانون الاستثمار عام 1991؟.
يعني أن الحكومة التي تمسّكت بإبقاء القطاع العام بلا تطوير وتحديث وإصلاح، حرّرت القطاعات الاقتصادية والخدمية من قبضتها وقدّمتها للقطاع الخاص على طبق يزدحم بالمغريات والتسهيلات والإعفاءات والامتيازات، ليستثمر فيها بلا شروط.. وإن وجدت فبشروط ميسّرة جداً.
المشكلة أن تطبيق مصطلح “خصخصة القطاعات” اقترن بشرط واحد غير معلن للقطاع الخاص: لن نستثمر في مشاريع يمكن أن ينافسنا فيها القطاع العام!.
وكان هذا الشرط غير المعلن والذي لايزال سارياً يعني بشكل أساسي: لا إصلاح ولا تحديث ولا تطوير للقطاع العام!. وبالتالي فإن ترديد معزوفة القطاع العام ضرورة اقتصادية واجتماعية سيبقى شعاراً طناناً رناناً يرضي قيادات الطبقة العاملة فقط.. إن لم تغيّر الحكومة من سياساتها وأهدافها!.
وإذا كان الأمر يقتصر في العقدين الماضيين على الحديث عن ضرورة اقتصادية وأخرى اجتماعية، فإن الحرب الكونية على سورية فرضت ضرورة ثالثة.. هي الضرورة السياسية.
لقد أكدت هذه الحرب أن سورية لا يمكن أن تحافظ على حريتها وسيادتها واستقلالها، وتمتلك الكلمة العليا في قراراتها بلا قطاع عام من جهة.. وقطاع خاص وطني داعم من جهة أخرى، بل إن هذا التخريب الممنهج للبنية الصناعية والمرافق العامة والخاصة على حدّ سواء ليس له من هدف سوى تجريد سورية من أذرعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتيح لها امتلاك القوة لتبقى دولة سيدة وحرة ومستقلة غير خاضعة لاملاءات الخارج!.
نعم .. إن إصلاح القطاع العام ضرورة اقتصادية واجتماعية.. وسياسية، ولكن لتبدأ الحكومة بوضع الخطط القصيرة والمتوسطة والطويلة الأمد لترجمة هذه الضرورات على أرض الواقع، وقد تكون البداية بإحداث وزارة للقطاع العام!!.
علي عبود