نقطة ساخنة مخاض اقتصادي
من المؤكد أن المسرحيّ العالمي الراحل سعد الله ونوس لم يطلق عبارته الشهيرة “نحن محكومون بالأمل” عن عبث، فربما جاءت عن إرادة تحتّم علينا محاربة اليأس، وتُنْبِئُ بحتمية إشعاع نور قادم من نهاية نفق مظلم، إذا ما استطعنا التغلب على حيثيات الحالة السوداوية التي تجتاح معظمنا على خلفية أزمة لم تستثن من بصماتها السوداء قطاعاً أو مكوناً إنتاجياً.
ولعلّه من المفيد أن نجعل من هذه المقولة أيقونة نستأنس بها في هذه المرحلة العصيبة بالذات لاقتصادنا الوطني وما انتابه من ارتكاسات أثرت في حياتنا المعيشية، ما يعني ضرورة الإيمان بأن القادم أفضل، ولن يتأتى هذا الإيمان إلا بالقناعة أن حالة الارتباك والتخبّط التي نعيشها بدءاً من التضخم وارتفاع الأسعار، ومروراً بتذبذب سعر الصرف ذي المنشأ التجاري الوهمي في أغلب الأحيان، وانتهاء بأزمة المحروقات بين الفينة والأخرى وعدم وصولها بالسعر النظامي إلى مستحقيها، ما هي سوى حالة عابرة في طريقها إلى الزوال إذا أحسنّا الاستفادة من مفرزاتها في المراحل القادمة.
وبمعنى آخر معرفة مواطن الخلل والفساد سواء الحكومي أم الشعبي، واجتثاثها من جذورها بأية وسيلة كانت، يتوجب أن يكونا على رأس أولويات المرحلة القادمة، حتى لو اعتمدنا في سبيل ذلك طُرقاً وأساليبَ قد يكون ظاهرها بعيداً عن منطق الأخلاق حسب قاموس البعض ممن يعدّون الوشاية عن موظف فاسد عملاً مشيناً لكونه “يهدّد مستقبله الوظيفي” على سبيل المثال !.
فالأزمة ومفرزاتها أثبتت أن قوت العباد أهم بكثير من مستقبل أي موظف كان، مهما كبر أو صغر، تماماً “كظفر” المريض الذي هو أهم من مستقبل أي طبيب يرتكب خطأ طبياً ولو كان لا يذكر في أوساط المجتمع الطبي.
فبعد أن فقدنا الأمل ببرامج حكومتنا لإنقاذنا من جنون أسواقنا، وطمع معظم موظفينا، وجشع أغلب تجارنا، نحن محكومون بالأمل بإمكاناتنا، ولا نقصد بذلك أن ننظر فقط بعين التفاؤل لما هو آت، بل أن نقرن هذا التفاؤل بالعمل على استئصال كل مفصل حكومي، وغير حكومي، تاجراً كان أم صناعياً، ساهم بتعكير صفائنا ولو قيد أنملة عبر ممارسات لم تستطع جهاتنا الحكومية قمعها إما لتواطئها أو لعجزها، وذلك عبر استنهاض إرادتنا وتغيير عاداتنا الاستهلاكية الدخيلة على مجتمعنا على أمل تخطي هذه المرحلة بأقل الخسائر، واعتبارها مخاضاً عسيراً لاقتصاد طموح..!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com