السيد الوزير وأولوية الإصلاح الإداري
عند لقاء وزير التجارة الداخلية مؤخراً مع الأسرة التموينية في اللاذقية، (حسبما جاء في صفحة 3 من صحيفة البعث ليوم 11/4/2014)، حمَّل معاون المدير وبقية المفاصل، مع المدير المسؤول، مسؤولية شحنة غذائية مخالفة للمواصفات، مورَّدة سابقاً إلى فرع المؤسسة الاستهلاكية في اللاذقية، حيث قال الوزير: “عندما تمر مخالفة كهذه، بخط أو مخالفة من مدير، فأين كان معاونه ومن معه في المفاصل المعنية في المديرية نفسها، وهذا لا يعفي أحداً من تحمّل واجب هو مسؤوليته”.
وهنا أستميح السيد الوزير وأسأله: هل من العدالة أن يتم تحميل عامل أيا كانت مهمّته، مسؤولية ما ليس مسؤولاً هو عنه، ولا موكلاً إليه، وهو غير مسموع رأيه شفهياً وغير مقبول خطياً، ألا يعلم الوزير أن صلاحيات معاون المدير محدودة جداً في معظم الإدارات، وبعض المفاصل الأدنى مسلوبة الصلاحية أو متخلية عنها، أو محكومة بتوجيه المسؤول المباشر أو الأعلى، خنوعاً رضائياً أو نفعياً، أو تعمل في ضوء توجيهات ورغبات بعض الوصايات المرتبطة بها أو المفروضة عليها، أليس الوزير على علم تام بوجود خلل إداري في معظم الإدارات، والإصلاح الإداري العام المطروح منذ سنوات، ما زال مطروحاً في أرضه.
ألسنا جميعاً نعلم أن تمرير هذه الشحنة المخالفة ومثيلاتها، لم يكن الحدث الأول ولن يكون الأخير، وقد يكون ما انكشف أقل خطراً بكثير مما لم ينكشف، وبعض ما انكشف تمّت تغطيته في حينه، وربما تغطية من كشفوه، وعدد الذين تم تكريمهم نتيجة كشفهم الخطأ، أقل بكثير من الذين تم تأنيبهم أو معاقبتهم.
رأي السيد الوزير يستحق كل التقدير، لأنه يدفع باتجاه أن يتعود الجميع، أننا جميعاً مسؤولون عن جميعنا، وأن ممارسة ذلك جزء من الحق والواجب، ويضع شعار “لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ أو يتستر على العيوب والنواقص” موضع التطبيق، أي ينحُو باتجاه عدم حصر مسؤولية المخالفة بمرتكبها فقط، بل تحميل المسؤولية لآخرين معه، دون أن تغيب عن باله تراتبية أن يتحمل القسم الأكبر من المخالفة ذاك الذي ارتكبها أو شارك أو ساعد في ارتكابها، ثم الذي تخلى عن أداء مهمته، أو لم يؤدّها بالشكل المطلوب، أو لم يطالب بتفعيلها، أو لم يحتج على سلب صلاحياته منه حال تعرَّضه لذلك، ومن ثم تحميل قسط لمن رأى المخالفة وسكت عنها أو تستّر عليها.
ولكن رأي السيد الوزير يتطلب العمل على إصدار تعميم رسمي إلى جميع الإدارات، يتضمن أن القانون لن يطول مرتكب المخالفة فقط، بل سيطول بقية العاملين من حوله، طبقاً لمسؤوليتهم في ذلك، مشاركة أو تخاذلاً أو تهرباً أو سكوتاً أو تستراً، وعندئذ سيضعف حجم وعدد المتحكمين بالقرار والتنفيذ، وسيشتد عود الذين اعتادوا أن يشيروا على المفسدين، وتقوى عزيمتهم على مواجهة مرتكبي الفساد، ويضعف خوفهم من معاقبتهم على ذلك، ويضعف عدد الذين اعتادوا أن يوقِّعوا دون تحقُّق، تحت عنوان “مثلي مثلهم”، ويضعف عدد الذين يوقِّعون عن الآخر بعلمه أو دون علمه، وأيضاً يضعُف عدد الذين يظنُّون أن بمقدور أحدهم أن يحمي البقية في حال انفضحت المخالفة، ويضعف عدد الذين يخشون التهميش أو الإبعاد، وأحياناً النقل، وربما غير ذلك، في حال لم يوقِّعوا على المخالفة، أو أشاروا إليها، وبذلك يضعف عدد الذي يتخلَّوْن عن مهامهم أو يُبعدُون عنها، بغية تمرير مخالفة.
عندئذ من المؤكد أن العناصر الخيِّرة التي ترفض ارتكاب الفساد، والتي تشير إلى مرتكبيه باليد واللِّسان والقلم، ستكون أكثر جرأة على تجذير موقفها، وستكون أكثر قدرة على دفع إيذاء المفسدين عنهم، والتكثيف من إشارتهم إلى مرتكبي الفساد، وبكل جرأة وموضوعية، وعلى الإدارات الأعلى والأجهزة الرقابية الرسمية أن توجّه لهم الثناءات المتتالية، وتجتنب أية عقوبات، وعلى الإعلام أن يكون سنداً لهم ويواكب وينشر ويوثق مواقفهم المشرفة.
بذلك فقط سيُحجِم الكثيرون عن الفساد، عندما يشعرون أن ارتكاباتهم منظورة ومراقبة ومشكوّ منها ومُحتَجٌّ عليها من أطراف عديدة، تحتج على فسادهم شفهياً وخطياً، وتقول لهم: إن المساءلة والمحاسبة ستطولنا، وقد نعاقب مثلكم في حال لم نشر إلى مخالفاتكم، وحقيقة الأمر أنه لا إصلاح إدارياً ولا خلاص من الفساد، إذا لم نضع شعار “كلنا مسؤولون” موضع التطبيق، فمرتكبو الفساد محدودون، ولو انتفض الشرفاء والساكتون والمتستّرون في وجه المرتكبين شفهياً وخطياً لما بقي للمرتكبين من أثر.
عبد اللطيف شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية