الواقع يتطلب المزيد من التَّيسير لا التَّعسير ترخيص المنشآت بين التشريعات والإمكانات
لا جدال بضرورة وجود تشريعات تنظِّم ترخيص المنشآت على كامل ساحة القطر، ولكن الأكثر أهمية وضرورة أن يكون المشرِّعون متمكنين من قوة وصوابية التشريع، وعلى يقين بأن تنفيذه سيكون مطاعاً ومستطاعاً، لدى أصحاب المنشآت القائمة –والعاملين فيها- والتي هي في طريقها إلى الإحداث، في ضوء الظروف الراهنة والمستجدات العرضية، بما ينسجم مع معطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل، ويضمن اجتناب حدوث مخالفته، لما لذلك من منعكسات اجتماعية واقتصادية، سواء تمّ قمع المخالفة أو التغاضي عنها.
في ضوء قناعتي أن لجنة إعداد وصياغة التشريع –المفترض أن تكون ممثلة من كافة الاختصاصات- هي المعنية والمسؤولة عن نجاح تنفيذه، وليس المسؤول الذي يوقِّع على نهاية الصفحة الأخيرة منه، أبدي الرؤية التالية في بلاغ رئاسة مجلس الوزراء رقم 9 /15/ب تاريخ 12- 4- 2014، المتضمن الضوابط والتعليمات الناظمة لترخيص المنشآت الصناعية.
أولاً: حافظ البلاغ على المنشآت الصناعية القائمة خارج المخططات التنظيمية، في حال تحقق وجود عدد معيَّن من المنشآت ضمن مساحة معيَّنة، واعتبرها منطقة صناعية تستوجب إعداد مخطط تنظيمي عام وتفصيلي ونظام ضابطة بناء لها، مع جواز التوسع، شريطة التزام أصحاب المنشآت بالتشريعات البيئية والعمرانية، وفق الشروط التي تضعها الوحدة الإدارية.
ثانياً: أعطى أصحاب المنشآت المتناثرة القائمة والمستمرة -وغير الحاصلة على الترخيص المؤقت- خارج المخططات التنظيمية، مدة أقصاها ستة أشهر للتصريح عن منشآتهم، بدءاً من تاريخ صدور البلاغ، وأجاز منحهم الترخيص المؤقت حال تحقّق الشروط الصحية والبيئية والفنية والإنشائية في ضوء التشريعات المعنية بذلك، مع منح مهلة ثلاثة أشهر، لاستكمال النواقص المطلوبة، شريطة التزام صاحب المنشأة بالانتقال إلى المنطقة الصناعية أو الحرفية القريبة –حال وجودها- خلال عامين من تاريخ تقديم طلبه، تحت طائلة إغلاق المنشأة عند فوات المدة دون التنفيذ، ومنحه الأولوية في التخصّص بمقاسم المنطقة الصناعية، لكن البلاغ تضمن حق الجهة الإدارية بإغلاق المنشأة، حال عدم تحقّق الشروط البيئية والصحية والفنية، بعد منح صاحب العلاقة مدة شهر لتصفية أعماله، وأرى أن مهلة الشهر قصيرة جداً لجميع المنشآت، ما يستوجب النظر في إعادة تحديدها بين الثلاثة أشهر والسنة، تبعاً لطبيعة عمل المنشأة، مع استمرار عملها وجواز ترخيصها، حال عملت على استكمال تحقيق الشروط، حرصاً على استمرارية عمالها وإنتاجها.
ثالثاً: بخصوص ترخيص صناعات جديدة خارج المخططات التنظيمية؛ اشترط البلاغ وجوب ترخيص المنشأة على الأراضي المصنّفة بالفئة الخامسة حسب تصنيف وزارة الزراعة، وأن يكون الحدّ الأدنى لمساحة الأرض المطلوب منح الترخيص عليها 4000 م2، وأن تكون واجهتها لا تقل عن 40 م.ط، واشتمال البناء على قبو شبه تحت أرضي بمقدار مساحته، دون أن يراعي البلاغ حالات كثيرة لا تسمح بذلك، فواقع الحال يُظْهِر أن نسبة كبيرة من محتاجي وطالبي الترخيص، في العديد من الوحدات الإدارية، لا يملكون عقارات تتوفر فيها هذه المواصفات، ما يستوجب ضرورة إعادة النظر في البلاغ وتضمينه استثناءات، تتيح الفرصة أمام الذين يعانون من عطالة مدخراتهم وعطالة طاقتهم العملية، وتمكينهم من تشغيلها، وتحديداً في المناطق التي تحتاج وجود صناعات تستوجب استثناءها من بعض الشروط، خاصة وأن الواقع يظهر وجود الكثير من المنشآت الصناعية القائمة -منذ عقود- موجودة على مساحة أقل بكثير من المساحة المطلوبة مجدداً، وما زالت مستمرة في عملها، ما يستدعي أن يكون البلاغ قد سمح باستثناءات في بعض الوحدات الإدارية، على غرار ما سمح به في غوطة دمشق، عندما أجاز أن تكون مساحة المنشأة في الغوطة بقدر حاجتها الفعلية، حسب الأنظمة النافذة لدى الجهات المختصة، دون التقيد بمساحة محددة للعقار.
ما نريد ختاماً تأكيده هو أن واقع الحال يفرض الحاجة الماسة لمثل هذا الاستثناء في مناطق عديدة، إذ سبق وأن بحَّت أصوات الفعاليات الرسمية والشعبية المطالبة بذلك، وجفَّت أقلام البعض منهم، فالمصلحة الوطنية تتطلب المزيد من التَّيسير وليس المزيد من التَّعسير، لضمان تشغيل الأموال الوطنية الباحثة عن استثمار، والمواطنين الباحثين عن عمل.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية