نقطة ساخنة الساكت عن الحق..
يُقاس مستوى معيشة الفرد بمقدار الخدمات القادر على الحصول عليها ومناسبتها مع دخله، لكن عندما تتحوّل النعمة إلى نقمة والخدمات إلى عراقيل، فمن الطبيعي أن تتدنى هذه المعيشة.
وعلى اعتبار أننا في زمن توسّعت فيه الخدمات، بات الأجر هو المقابل لتطويرها، كون أي تقدم يحتاج إلى دعم مادي، إلا أن الوضع مخالف تماماً في واقعنا الذي تطرح فيه المشروعات الخدمية، وتعمّم رغم وضوح ملامح فشلها، وقد يكون مشروع التأمين الصحي الذي لا يمكن وصفه إلا بالفاشل بامتياز “ورطة” حقيقية للموظفين وخيبة لهم، ومشروعاً “استثمارياً” لبعض الجهات، وصفقات رابحة لبعضهم.
أما الخيبة الأكبر فهو ما أُثير مؤخراً حول أسباب فشل المشروع الذي انطلق بداية عام 2010، وصمَّت محاسنه الآذان قبل البدء به، وما قيل عن أسباب فشله.. والكلام لوزارة الصحة: “من عدم أهلية المؤسسة العامة السورية للتأمين بوضعها الراهن لإدارة المشروع، وقبولها أن يكون دورها مجرد وسيط ومعقب معاملات وعدم امتلاكها كادراً طبياً قادراً على إدارة المشروع”، كما أن الطرف الثاني في إخفاق مشروع التأمين الصحي، هو هيئة الإشراف على التأمين، غير المؤهلة لمراقبة أداء شركات إدارة النفقات الطبية، كونها لا تملك أي كوادر أو كفاءات طبية في ملاكها، ولا أية رؤية لبرنامج رقابي طبي، لدرجة أن التراخيص قد مُنحت لشركات إدارة النفقات الطبية دون تنسيق مع “وزارة الصحة”، ودون التأكد من أن الكوادر الطبية في هذه الشركات حاصلة على التراخيص الطبية اللازمة لممارسة العمل والتفرغ من أجله.
ولشركات إدارة النفقات الطبية يد هدامة “كونها تستنزف ربع ميزانية التأمين الصحي من خلال العمولات الكبيرة التي تحصل عليها، وتتأخر بتسديد المستحقات المالية لمقدّمي الخدمات لأكثر من 5 أشهر، ولا تعتمد معايير موحّدة للإجراءات الطبية والاستقصائية والعلاجية والدوائية، أيضاً النقابات المهنية الطبية ابتعدت عن مراقبة أداء هذه الشركات”.
بينما لا يُبرأ طرف وزارة المالية، “لعدم قيامها بوضع نظام صارم للمراقبة والمحاسبة المالية للتدقيق فيما إذا أنفقت الأموال المرصودة للتأمين الصحي حسب الاتفاق والأصول، وتحديد مبالغ الاحتيال والإنفاق الوهمي من خلال المطالبات الوهمية لخدمات طبية لا توجد إلا على الورق وتحميل المسؤولية للمخالفين أصولاً”.
لكن بما أن وزارة الصحة كركن أساسي من المشروع، “ولا يقع اللوم عليها وحدها”، فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يوقف هذا المشروع حتى اكتمال أركانه، ولماذا لم تخرج هذه المشكلات إلى العلن قبل البدء به؟!، إذ لا يمكن أن يؤخذ مشروع كبير بهذا الحجم لجهة حساسيته وريعيته بهذا الاستهتار، ولا يمكن أن يصل التضليل إلى هذا الحد، فما وعد به الموظف شيء وما يعانيه الآن شيء مغاير تماماً، حتى أن الحكومة ليست المستفيد الأول من هذا المشروع.
وبالمحصلة إذا لم يكن بالإمكان أكثر مما كان، فإن وقف مشروع التأمين الصحي أفضل من استمراره..!.
سامية يوسف
Samiay56@gmail.com