بين قوسين “التبغ”.. بنك إقراض
لطالما كانت المصارف وبيوت المال “الحنفية” التي تغذي القطاعات الاقتصادية والخدمية بالتمويل اللازم لتنفيذ المشروعات وتلبية أغراض العمل، بما فيها حالات العجز وتسديد الديون وتغطية ملفات الإفلاس للشركات والمؤسسات وحتى الأفراد، أما أن تعمد بعض المؤسّسات الحكومية إلى إنتاج مموّل جديد لا يتعدى عن كونه جهة عامة إنتاجية، ففي ذلك أبعاد تشي بأن البنوك المحلية إما فاشلة في تغطية خدمات أكبر شريحة من المتعاملين والزبائن، أو أنها غير قادرة على الإقراض في ظروف قد تكون موضوعية كالتي يعيشها الاقتصاد الوطني.
في أرشيف هذا الملف ثمّة حيثيات باتت بحكم التجربة صفحة سوداء بين المصارف والمقترضين، مؤسسات كانت أم أفراداً، شكلت قضايا مازالت تفاعلاتها وذيولها قائمة والهدف واحد هو التحصيل من قبل المتعاملين والمتهرّبين لتتصدّر إشكالية التشابكات المالية بين الجهات العامة واجهة العلاقة بين أجهزة قطاع من المفترض أن تكون رساميله وأمواله بمثابة ميزانية واحدة في ظل مرجعية مالية واحدة وهي خزينة وموازنة الدولة؟!.
مع ضرورة تأمين السيولة اللازمة للتمويل، كانت مصارف “التجاري، العقاري، الصناعي، التسليف، التوفير” ومعها البنوك الخاصة الملاذ الأقرب للجميع، لكن أن تنبري مؤسّسات إنتاجية عامة لإنقاذ شركات أخرى بتحويلات وقروض مالية تخرجها من “زنقتها” فهي بوابة جديدة تمّ استنباطها لنجدة تلك الاستغاثات التي خرجت من جهات عامة وقفت على حدّ التوقف أو الإغلاق لضيق ذات اليد والوصول إلى عتبة الإفلاس، وهذا ما تصدّت له كبرى المؤسسات الحكومية وهي “التبغ” التي سارعت لفك ورطة بعض الشركات المتعبة عبر منحها قروضاً إسعافية تبقي آلاتها وخطوط إنتاجها في حالة دوران وتشغيل، وفي مثال الـ 100 مليون المقدمة للشركة الأهلية للمطاط دليل على تحوّل “التبغ” إلى نموذج حكومي غير مسبوق في النجاح والربح ورفد الخزينة بالوفورات الدسمة.
في جعبة وزارة الصناعة رصيد كبير من الإخفاقات التي مثّلتها العديد من الشركات التي خسرت وأصبحت عبئاً ثقيلاً على استحقاق الإصلاح والتأهيل وما لفّ لفيفهما من تجارب ومحاولات فشل أغلبها ونجح القليل منها، حتى أن العديد من المصارف وحتى الحكومية منها أعلنت رفع يدها عن “تجريب المجرَّب”، في حين يعبّر البعض عن تشاؤمه من الترقيع الذي لا يجعل الثوب جديداً، في وقت تصرّ الحكومة على أن الإبقاء على الحياة ولو سريرياً يعدّ إنجازاً حتى إشعار ما بعد الأزمة ومحاولة إنقاذ السوق من عوزه الشاسع!!.
بالعموم لا ضير في خطوة “التبغ” رغم الخوف من مزيد من التعقيد في موضوع التشابكات “سيئة الصيت”، ولكن الأخطر أن جهات أخرى تئنّ تحت وطأة الحاجة لسيولة تفي من خلالها بالتزاماتها المالية تجاه شريحة الفلاحين الذين يبيعون محاصيلهم للشركات العامة حسب تخصصاتها، وهنا تتعالى أصوات المزارعين مطالبين بقيم إنتاجهم غير المسدّدة، فهل ستكون “التبغ” بالمرصاد أم ستخجل المصارف من نفسها؟!.
علي بلال قاسم