في ندوة “الاستحقاق الوطني وتحديات المرحلة” القادري: رسالة للعالم أن السوريين لا يسيرون إلا وفق أجندتهم التشريعية نـمـر: إعــادة الـبـوصلـة إلـى وضعها الطبيعي مهمة الوطنيين الشرفاء
من أهم ما تعيشه سورية في هذه المرحلة قضية الاستحقاق الرئاسي والذي يأتي في مرحلة تشهد فيها سورية ضراوة الحرب التي تشن عليها والهدف إفشال الاستحقاق بأي طريقة. من هنا كان لابد من الوقوف على أهمية الاستحقاق والتحديات في هذه المرحلة، هذا ما حاولت الندوة التي أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع ثقافي أبو رمانة بعنوان “الاستحقاق الوطني وتحديات المرحلة” أن تجيب عنه، والبداية كانت مع حنين نمر الأمين العام للحزب الشيوعي الموحد الذي اعتبر أن العنوان الكبير للندوة يفسح المجال للدخول إلى الموضوع من عدة جوانب وتغطية كل جوانب الأزمة وصيرورتها ونتائجها. ورأى نمر أن تسمية الحرب على سورية بالكونية لم يأت من فراغ بل لأن صفات الحروب العالمية تنطبق عليها، لكن بالرغم من شراستها إلا أنها كانت غنية بالدروس والاستنتاجات، من هنا على كل القوى الوطنية أن تدرس ما أفرزته هذه الحرب فكرياً وثقافياً وسياسياً. وركز نمر على ما نعيشه في هذه المرحلة ممثلاً بالاستحقاق الرئاسي، مضيفاً نحن ننظر إليه كجزء من استحقاقات أخرى شاملة تحت عنوان “إصلاحات عميقة على كافة الصعد” وما يجري حالياً من ضغوط استعمارية لإفشال هذا الاستحقاق ينم عن استمرار عقلية الهيمنة والسيطرة على العالم التي تحاول الامبريالية ممارستها، وأكد نمر أن تأييد الحزب الشيوعي الموحد ترشيح الدكتور بشار الأسد لرئاسة الجمهورية جاء على أساس أنه حين تولى زمام القيادة عام 2000 طرح برنامجاً وتصورات واضحة وأقرن ذلك ببعض الإصلاحات في مختلف المراحل، وكان منها الدستور الجديد المبني على الديمقراطية والذي من شأنه تغيير الكثير في مجرى الحياة السياسية، كما صدرت عدة قوانين منها في مجال الإدارة المحلية والتظاهر السلمي والانتخابات، وهناك توجهات لإجراء تعديلات دستورية لتحديد طبيعة النظام السياسي القائم. وأوضح نمر أن الإصلاحات التي جرت لم يكن نجاحها بالأمر اليسير بسبب الاختلاف في الآراء والاتجاهات، وهناك العديد من القضايا الفكرية التي أفرزتها الحرب على سورية كالحديث عن أن سيادة الدولة لا تعني شيئاً وأن العالم قرية واحدة، وبالتالي ليس من داعٍ للحديث عن الدولة الوطنية المستقلة وهذا يمثل المفهوم الامبريالي عن العولمة، لكن لم يكتب لتلك الفكرة أن تسيطر على كل دول العالم حيث بقي التمسك بالسيادة الوطنية شعاراً مهماً فعادت الامبريالية من جديد لأسلوب العسكرة، وتسود الآن مفاهيم ملغومة تحاول تصوير التناقض الأساسي في بلادنا بين طائفة وأخرى وبيننا وبين دولة جارة على أساس مذهبي، وهذا أسلوب جديد للامبريالية التي تريد أن تطمس أن التناقض الأساسي هو بين الشعوب التي تريد ممارسة حقها في حريتها واستثمار ثرواتها، وبين الامبريالية التي تسعى للسيطرة على الشعوب وثرواتها، وأن التناقض كذلك هو بين العرب والصهيونية. وختم نمر حديثه بالتأكيد على أن إعادة البوصلة إلى وضعها الطبيعي مهمة الوطنيين الشرفاء، وكما أن الأزمة التي عشناها مركبة فإن طريق الخلاص منها متعدد الأوجه وهذا يقتضي تحقيق معادلة التلازم بين الأهداف الوطنية والتقدمية والديمقراطية، وهذا التلازم دقيق وأي خلل فيه سيؤدي إلى ضياع البوصلة والوقوع في الأخطاء.
الحرب لا تستهدف حزباً ولا نظاماً
بدوره تحدث جمال القادري أمين فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي عن التحديات التي تواجهها سورية اليوم معتبراً أن في مقدمتها ما نجم عن آثار وتداعيات ومفرزات الحرب التي تشن على سورية. هذه الحرب لا تستهدف حزباً ولا نظاماً ولا مكوناً بعينه بقدر ما تستهدف الوطن بكامل مكوناته وبناه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. واعتبر القادري أن هذه الحرب نتيجة طبيعية لتناقض أساسي بين مشروعين الأول: ظلامي تكفيري يسعى لإعادتنا إلى العصور الحجرية والآخر: وطني تقدمي، وفي هذا الإطار كانت الحرب على سورية والتي شارك فيها الكثير من العرب ودول العالم وسقط فيها جزء من شبابنا نتيجة حملة التزييف والتضليل. من هنا أكد القادري أن التحدي الأكبر الذي يواجهنا ثقافي فسقوط بعض شبابنا في فخ التضليل الفكري ما كان ليحدث لولا وجود فراغ فكري، وهناك أيضاً محاولة من شنوا هذه الحرب أن يستخدموا السلاح الأقذر وهو تسويق الفكر الوهابي، صحيح أنهم نجحوا في بعض المواقع لكن التركيبة السورية كانت عصية على التطرف. ورأى القادري أن ملء الفراغ الفكري يكون بعودة المثقف لقيادة الشارع وإعادة النظر بمنجزاتنا الأدبية والإبداعية وجعلها أكثر واقعية وقرباً من الجمهور، وهذا واجب الجميع لأن الأزمة لا تتصل بحزب ولا بمكون واحد، وإنما هي أزمة وطنية تستهدف الجميع.
ومن التحديات الأخرى التي طرحها القادري أهمية تعميق الانتماء الوطني لأن الأزمة أثبتت أن هناك من هم غير وطنيين وغير قوميين فمن أقدم على تدمير جامعة أو مشفى أو معمل ليس بوطني، كما أن النصر الذي نحن على أبوابه ما كان ليتحقق لولا صمود شعبنا وجيشنا العقائدي، ولولا دماء الشهداء والقيادة الحكيمة الواعية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد الذي كان لجرأته وصلابته وتحديه للضغوطات الدور الأكبر في مواجهة هذه الحرب والوصول بها إلى نهايتها. وفي ختام حديثه رأى القادري أنه وبعد الخروج من المحنة علينا إعادة قراءة ذواتنا وتعميق ما هو إيجابي ونبذ السلبي وأن نتكاتف لمواجهة تحديات المرحلة، مؤكداً أن إتمام الاستحقاق الرئاسي اليوم يعطي رسالة للعالم أن السوريين لا يسيرون إلا وفق أجندتهم التشريعية مهما بلغت الضغوط، وأنه لا أحد غيرهم يستطيع أن يرسم مستقبلهم وأن يحدد من يحكمهم.
الاستحقاق دفاع عن الذات
أما د. حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب بدمشق فرأى أن الاستحقاق الوطني الرئاسي يأتي في مرحلة من أدق المراحل وأصعبها في تاريخ سورية، معتبراً أن هذا الاستحقاق سيؤدي إلى حل سياسي للأزمة السورية رغم كثرة التحديات فالقيام بالاستحقاق في موعده يؤكد على أن سورية لا تعبأ بالضغوط الخارجية وأنها دولة قوية قادرة على تحمّل أعباء المرحلة الديمقراطية رغم ضخامة العدوان الموجه ضد شعبها سوف تصد كل المؤامرات، وأنها أنموذج للدولة الحريصة على إنجاز التشريعات والقوانين التي تحقق الاستقرار والصمود وتماسك المؤسسات. من هنا أكد جمعة أنه ليس من المستغرب أن تزداد الضغوط الخارجية على سورية نتيجة الثبات على إجراء الاستحقاق الدستوري وغداً ستتوجه ضغوط جديدة في سياق حرب نفسية وثقافية وإعلامية تؤدي إلى المزيد من الابتزاز من أجل التفاوض مع ما يسمى ائتلاف الدوحة وتحقيق مكاسب شتى له بإضعاف الدولة وإلحاقها بالمصالح الصهيو أمريكية، ولفت جمعة إلى أن الاستحقاق الوطني يشكل اليوم حلقة هامة من حلقات الدفاع عن الذات والهوية والوجود والوطن، وهو مبدأ أصيل وحقيقي من أجل ممارسة الديمقراطية ورسم ملامح سورية المستقبل التي ستقضي على كل أشكال الهيمنة وعملائها وملوكها في المنطقة. من هنا يجب ألا ننظر إليه بوصفه دفاعاً عن نموذج الدولة أو القرار السياسي بل على أنه دفاع عن الذات. وأضاف جمعة: الدولة السورية أثبتت أنها دولة متماسكة جيشاً وقيادة ومؤسسات، والاستحقاق يعني استمرارها في أداء مهماتها المنوطة بها من خلال إنجاز المصالحة الوطنية والارتقاء بها وإعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد الوطني. والاستحقاق يمثل مقدمة للعبور إلى المستقبل الذي يستند لبناء الدولة السورية الحديثة التي نريد، ومن حقنا أن نختار من نريد دون توجيه من أحد وهو واجب وأمانة ومسؤولية في اختيار الأقدر. كما عرّج جمعة على بعض التحديات التي واجهت سورية قبل العدوان عليها وخلاله ومنها ما حاول أعداء سورية الوصول إليه عندما حاولوا أن يصوروا أن الملف الإنساني هو أسوأ ملف في المرحلة الراهنة للضغط على الحكومة السورية، لكن جمعة أكد أن الواقع غير ذلك فالملف الإنساني ورعاية ذوي الشهداء والجرحى. أولوية الدولة السورية وهي مسؤولة عن رعاية جميع مواطنيها، ولهذا سعت لإيجاد أماكن بديلة لأماكن النزوح كما جهدت لإنجاز المصالحات الوطنية كما جرى في بعض المناطق وإشاعة روح التسامح والمحبة بين السوريين لأنها تؤكد حق الحياة دون وصاية من أحد.