سياسات الدعم الحكومي علامة فارقة في ملف الاحتياجات اليومية للمواطن
دعوات لإعادة النظر بمزايا القطاع الخاص بهدف تمكين العام من التنافسية العادلة أو العكس
لايمكن إنكار دور الحكومة في تأمين المواد الأساسية اليومية في سوقنا المحلية خلال فترة الثلاث سنوات الماضية، خاصة بعد الانكفاء النسبي للقطاع الخاص نتيجة تأثره بالأحداث الراهنة، وخروج قسم من منشآته خارج الخدمة من جهة، ومغادرة قسم من رجال أعمالنا البلاد من جهة أخرى، إذ يسجل للحكومة على أقل تقدير توفير معظم السلع في السوق دونما انقطاع بغض النظر عن ارتفاع أسعارها، إلى جانب تركيزها على دعم بعض المواد كالخبز بالدرجة الأولى، وبعض المواد التموينية بالدرجة الثانية، في ظل حالات الاحتكار الكبرى لبعض رموز القطاع الخاص وما جلبته من أرباح تقدّر بالمليارات وليس بمئات الملايين، وفق ما أكده بعض العارفين بخفايا الصفقات المشبوهة.
المصلحة العامة أولاً
دفع تراجع دور القطاع الخاص بعض الغيورين على المصلحة العامة إلى المناداة بإعادة النظر بالدور الذي حظي به هذا القطاع خلال سنوات الرخاء، وأن دواعي المصلحة العامة تقتضي أن تأخذ الدولة دوره باستيراد المواد والسلع الأساسية، وإن كان ذلك على حساب نهج اقتصاد السوق الذي اعتمدناه سبيلاً لاقتصادنا الوطني، خاصة وأن الدولة لديها إمكانيات كبيرة للقيام بذلك من خلال مؤسساتها العامة والمتخصّصة، فبإمكان مؤسسة عمران أن تتولى تأمين مواد البناء بأسعار منافسة وجودة عالية، والمؤسسة الاستهلاكية قادرة على تأمين المواد الغذائية الأساسية اليومية بطريقة تراعي وضع المستهلك المادي والاجتماعي، وكذلك المؤسسة العامة للتجارة الخارجية تسدّ حاجة السوق من الأدوية الإستراتيجية التي لا تُصنّع محلياً وغير ذلك مما له علاقة بحياة المواطن وحاجياته الأساسية، وبذلك تكون قد راعت مصلحة المستهلك وحالت دون وقوع تجاوزات قطاع آثر مصلحته على المصلحة العامة!.
الريادة للعام
ويرى بعض الخبراء أنه رغم بعض التجاوزات الحاصلة في ثنايا القطاع العام بهذا الخصوص ولاسيما من جهة عدم وصول الدعم إلى مستحقيه كما يجب، إلا أنه يسجل للحكومة حضورها الفاعل بتأمين المواد المدعومة، داعين إلى ضرورة حضور القطاع الخاص جنباً إلى جنب مع نظيره العام في منظومتنا الاقتصادية الوطنية، على أن تكون الريادة للعام، خاصة من جهة تنظيم حركة الاستيراد والتصدير بحيث لا يتم احتكار استيراد مادة ما بثلة محدودة من التجار، وذلك لقطع دابر احتكارها لاحقاً، وبالتالي زيادة العرض وتحقيق المنافسة بالسعر والنوعية، إلى جانب تطبيق معايير صارمة للرقابة على المستوردات.
دعوة
مدير أحد المفاصل الحكومية المعنية بالشأن الاقتصادي اعتبر في تصريح خاص لـ”البعث” أن قيام الدولة بدعم بعض المواد يأتي في سياق سياساتها النابعة من التنمية الاجتماعية، داعياً إلى ضرورة التوسع في هذا المجال من خلال استيراد بعض المواد الأساسية الغذائية عن طريق مؤسسات التجارة الداخلية -وتحديداً المؤسسة الاستهلاكية- من خلال تخصيص القطع الأجنبي لها، والشراء من المصدر مباشرة وطرحها في مراكزها بأسعار مناسبة وبهامش ربح معقول ومنطقي، وهنا –برأيه- يكمن الدور الإيجابي والمنافس لهذه المؤسسات، بحيث تؤمّن السلع بالأسواق بما يعادل الطلب عليها، وتمنع بالتالي الاحتكار ورفع الأسعار من قبل ضعاف النفوس، ولتحقيق ذلك لابد من إعطاء المؤسسات المرونة الكافية لاستيراد السلع والمواد الأساسية بالسرعة الكلية وتأمين السوق عند الحاجة.
من الآخر
ثمّة إجراءات نعتقد أن على الجهات المعنية اتخاذها في حال إصرارها وتمسّكها بالقطاع الخاص وقناعتها بسيرورة عمله.. لعل أولها بعد السماح لكل راغب بالاستيراد تطبيق معايير صارمة للمستوردات وتدقيق إجازات الاستيراد لتحديد الأسعار بالنسبة للمستهلك وفقاً لسعر الاستيراد الحقيقي، إلى جانب تفعيل دور هيئة المنافسة ومنع الاحتكار ولاسيما أننا نسعى لاعتماد اقتصاد السوق، وأخيراً وليس آخراً استئصال كل بؤر الفساد ورموز الصفقات التجارية المشبوهة، وعندها يمكن بالفعل أن يكمل قطاعنا الخاص نظيره العام.
دمشق– حسن النابلسي