ثقافة

إيران تحتفي بحكيميها الفردوسي والخيام

للفكر والأدب قيمة كبيرة في حياة الشعب الإيراني من هنا خصصت إيران يوماً محدداً للاحتفاء بذكرى شاعر أو فيلسوف أو عالم من علمائها في كل عام، ويصادف هذه الأيام الاحتفاء بذكرى شاعرين من أهم الشعراء في إيران والعالم وبهذه المناسبة نظمت المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق ندوة تناولت فيها الحديث عن حكيمي إيران الفردوسي والخيام وذلك تزامناً مع افتتاح الدورة 78 للغة الفارسية التي تنظمها المستشارية.

البداية كانت مع د.مصطفى بكور الذي تحدث عن ديوان الشاهنامه للفردوسي بين القومية والإنسانية معتبراً أن معظم الدراسات التي تناولت الشاهنامة تركز على البعد القومي الشعوبي وصراع الإيرانيين مع بقية الشعوب، وفي هذا ظلم كبير للشاهنامة وللفردوسي. ورأى بكور أنه بالرغم من أهمية القضية، وإن كان مسوغ العرب بعدم معرفة لغة الشاهنامة، إلا أنه ليس كذلك بين الباحثين الفرس. وأضاف بكور ولد الفردوسي غريباً في عصره وما زال كذلك في أيامنا هذه رغم كل ما يشاع من هالات التكبير حول إبداعه وتحدث بكور عن بعض الأسباب التي ربما كانت وراء حرمان الشاهنامة من بلوغ المكانة التي تستحق أولها أن الشاهنامة لغة تعني كتاب الملوك، ويمكن القول إن أكثر ما أساء للشاهنامة منذ عصر الفردوسي حتى أيامنا هو الاستنباط المغلوط لكلمة ملك، فمن غير الممكن لشاعر يقدس الدين الحنيف ويبحث عن القيم الإنسانية أن يفني عمره في لهو الحديث عن أساطير الأولين أو مدح ملوك الظلام، وهذه النظرة ليست جديدة بل تعود لأيام الفردوسي. وأكد بكور أن هدف الفردوسي الأصلي من نظم وقائع ملوك إيران ليس التغني بالحكام الظلاّم بل رسم ملامح الملك النموذجي. وعن تسمية الأثر بالشاهنامه قال بكور كان ذلك سنّة شائعة بأن تزود المؤلفات الأدبية والتاريخية بالأسماء وفقاً للسلالات الحاكمة وإن لم يكن مضمونها يعني ذلك وشتان بين الملوك الذين مدحهم الفردوسي وبين من عرفوا بالظلم والطغيان إضافة إلى أن الفردوسي أثنى على الملوك العادلين وفضح المستبدين.
العامل الثاني الذي رأى بكور أنه السبب في أن الشاهنامة لم تأخذ حقها أن البعض يحاول أن يصورها تركز  على البعد القومي الشعبوي واعتبارها حجاباً أمام عناصر المد العربي والشعوب الأخرى، وهذا للأسف ما حاول البعض أن  يصوره من أنصار الشعوبية في إيران أولئك الذين اعتادوا أن يجعلوا من الشاهنامة مطية لأفكارهم وتعصبهم، والحقيقة كما يؤكد بكور أنه وبالرغم من حب الفردوسي لوطنه وتاريخه إلا أن ذلك لم يحرفه عن غايته الإنسانية ورسالته الأخلاقية، فلم يكن يهتم سوى بتمجيد الأخلاق الرفيعة والمثل، ولم تكن الشعارات والأبعاد الشعبوية القومية تعنيه أبداً، من هنا رأى بكور أن الفردوسي ظلم مرتين الأولى في وطنه عندما صُدر للعالم العربي بصورة مغايرة للحقيقة، ومرة أخرى حين صدق العالم العربي هذا دون أن يكون لديهم اطلاع على حقيقة الفردوسي، فبالرغم من كون الشاهنامة فواحة بالتفكير والتعقل والحكمة العالية وهذا يعود للشاعر العظيم الذي  أحيا القيم النبيلة من خلال الشاهنامة إلا أن ذلك الشاعر بقي غريباً، وهذا ما كان يستشعره في عصره ومازال في أيامنا رغم الجلبة التي تثار حول عمله من كل صوب وحدب.

من أكثر الشعراء إثارة للجدل
وبدأ د. صبري أنوشه مداخلته بالحديث عن الخيّام كأحد أهم الشعراء والمفكرين في إيران حيث ولادته في نيشابور ذلك المكان الذي خرج منه العديد من العلماء والمفكرين، وأكد أنوشه أن الخيّام الذي ولد بعد الفردوسي في عهد السلاجقة تلك الفترة في القرنين 5– 6 التي كانت تعاني من الانحطاط وكثرة الفوضى عندما سقطت الدولة الغزنوية فقد كان هناك صراع سياسي بين جميع الولايات، وصراع بين إيران وما حولها في تلك الأجواء المظلمة التي سادت فيها روح الشك والإحباط، وكانت أرضاً خصبة للتكفير والجهل من الطبيعي أن يكون للخيّام موقفه حيث اختار المعسكر التنويري المدافع عن الحكمة والديانة الإسلامية السمحة ووقف وقفة شجاعة. ورأى أنوشه أن الفُرس متهمون بالشعوبية وهم لم يكونوا كذلك ودليل أنوشه موقع إيران المترابط مع الحضارات، فمن يقع في مفترق طرق لا يمكن أن يكون ظلامياً وهذه حال الشام وموقعها من هنا كانت إيران والشام مكانين منفتحين وفيهما شعب منفتح. كما تحدث أنوشه عن نظرة الخيّام للإنسان والتي كانت نظرة وجدانية وكانت نظرته للحياة غير تشاؤمية وقارن بين الخيّام وبين أبو العلاء المعري معتبراً أن هناك قواسم مشتركة بين الاثنين لكن نظرتهما للحياة كانت مختلفة، وأكد أنوشه أن هناك العديد من النظريات حول الخيام فمنهم من رآه مؤمناً والبعض اعتبره ملحداً، وهناك الكثير من الأساطير حول حياته وأشعاره، معتبراً أن الدراسات والبحوث الكثيرة لم تستطع أن تنهي الجدل حول هذا المبدع. وختم أنوشه حديثه بالتأكيد على أن الخيام لم يترك الرباعيات وراءه فحسب بل أيضاً سيلاً من الأسئلة عن فلسفته الشعرية والوجودية عن الحياة والعالم. وختمت الندوة مع بعض الشعر للشاعرين الفردوسي والخيام قرأه اثنان من طلاب اللغة الفارسية.
جلال نديم صالح