ثقافة

قمح .. رصاص

البارحة أخذت ابني الصغير “سنة واحدة” لأقص له شعره، بعد أن صدعت رأسي زوجتي بأنه آن الأوان لذلك، وحجتها فصل الربيع “طبعاً لا أعلم ما علاقة فصل الربيع بحلاقة الشعر ولكن..” المهم وأنا في الطريق و”ابني” يوزع ابتساماته لجميع المارين في الطريق، استوقفته فتاة جميلة “قدرت أنها في العشرين” و بدأت تلاعبه، وتقبله وتقول له أشياء صدقاً لم أفهم أي حرف منها، وفي قلبي من فخامته بعض الحسد، ثم بدأت رشقات من الرصاص تئز قربنا، أنا و”كرم” والفتاة العشرينية، التفت حولي لأرى ماذا يحدث، الشارع كما هو، البقال والكوّى يلعبان الطاولة أمام البقالية، شابان صغيران أمام محل للجوالات يدخنان النرجيلة، امرأة توبخ ابنتها الصغيرة لأنها لوثت ثوبها بالبوظة، عموماً لا شيء تغير في المشهد أثناء إطلاق الرصاص، تابعت طريقي باتجاه الحلاق، ازداد صوت الرصاص قوة، هاتفتني زوجتي أن ارجع إلى البيت، تابعت سيري، الرصاص يعلو وأسراب من “القمح والرز” صارت تهطل علينا مع فراغيات الطلقات، والشارع على حاله.
قال لي الحلاق وهو رجل خمسيني طيب بعد استفساري عن سبب كل هذا الرصاص: إنهما أخوان استشهدا في اليوم نفسه وهما توءم، أترى تلك السيدة التي ترش القمح؟ إنها أمهما.
في طريق العودة كان كل شيء على حاله: الطاولة بحجارتها المصفوفة ونردها “دو شيش”، النرجيلة والدخان المتصاعد منها، المحال التجارية مفتوحة على مصاريعها وأشياء أخرى لا تخطرني الآن، إلا أن الناس الذين كانوا موجودين اختفوا! أين ذهب الجميع؟
الجميع أيضاً ذهبوا لينالوا حصتهم من قمح الأم المفجوعة، الجميع ذهبوا ليكونوا ولديها اللذين فقدت.. هذا الشعب من سيغلبه؟ هذه الروح من سيهزم خلودها؟ تلك الأم من…
تمام بركات