هل يجد القبول والتنفيذ مشروع اقتصادي بين يدي وزارتي الزراعة والبيئة
وزارتا الزراعة وشؤون البيئة مجمعتان على أن الماء الناجم عن معاصر الزيتون، يلوّث المسطحات المائية والمياه الجوفية، وقد تأكد ذلك مراراً، من خلال التحليلات المخبرية التي تمّت، والأضرار الفعلية التي تحسَّسها الكثيرون، ما استدعى أن تولي الوزارتان اهتمامهما الشديد بذلك، حيث أصدرتا تعليمات وتحذيرات وقرارات عديدة بهذا الشأن، ولكن التنفيذ لم يكن حليف التشريع، ليس بسبب تمرُّد أصحاب المعاصر فقط، كما قد يخطر ببال بعضهم، بل بسبب عدم استطاعة أصحاب المعاصر تنفيذ العديد من بنود التشريعات، لصعوبة ذلك أو لاستحالته، نظراً إلى أن معظم المعاصر منشأة منذ سنوات عديدة، ولم تكن متطلبات الترخيص حينئذ تتضمن الشروط الواجب توفرها الآن لتنفيذ الجديد من تعليمات الوزارتين، وفي حال كانت بعض الشروط مطلوبة حين الترخيص، قديمه وجديده، فالتنفيذ لم يكن حليفها، سواء أكان ذلك جزئياً أم كلياً.
الواقع الراهن لكثير من المعاصر لا يسمح بتنفيذ بعض أو كل الشروط المطلوبة مجدداً، نظراً لارتفاع التكلفة الناجمة عن ذلك، هذه التكلفة التي لا يراها صاحب المعصرة اقتصادية بالنسبة له.
لقد قامت مديريات الزراعة في المحافظات بمزيد من حض وتوجيه وتشجيع المزارعين على استخدام مياه المعاصر في سقاية الأراضي الزراعية، وخاصة المشجَّرة بالزيتون، من خلال إلزام صاحب المعصرة بإيصال ماء معصرته وعلى حسابه، لكل مزارع يطلب منه ذلك، ولكن ذلك لم يلقَ قبولاً لدى معظم المزارعين، بسبب ضعف مساحة الحيازات، وعدم إمكانية الوصول إلى كثير من الحقول، ونظراً لثبوت تضرر بعض الحقول نتيجة استخدام هذه المياه، وربما كان ذلك ناجماً عن خلط مياه الزيتون بمخلفات الزيوت والشحوم المستخدمة لدى المعصرة، ما أدّى إلى عزوف المزارعين عن استخدام هذه المياه في حقولهم، ودفع أصحاب المعاصر باتجاه تجاهل التشريعات المقيِّدة لهم، ما جعل رقابة الوزارتين المعنيتين تغضّ الطرف جزئياً أو كلياً عن مخالفات أصحاب المعاصر، نظراً لقناعتها بذلك حيناً، ولمسايرتها الرضائية لهم حيناً آخر، ما أبقى على تصريف معظم مياه المعاصر في العراء أو ضمن مجاري الصرف الصحي، خلافاً لما قد يرد بريدياً أو يدوَّن إدارياً أو إعلامياً، ما يكرَّس حالات التلوث القائمة جوفياً وسطحياً، ويوجب ضرورة العمل على معالجة ذلك في حدود المستطاع والمفيد.
ما دام الخلاص من المخاطر البيئية اقتضى تشريع وجود معامل لتصنيع القمامة، وتشريع وجود محطات تنقية وتصفية لمياه الصرف الصحي، فالمصلحة العامة تقتضي وجوب وجود ذلك لمياه معاصر الزيتون، وأيضاً لبقية مياه مخلفات المنشآت الصناعية، وحيث إن مخلفات معاصر الزيتون هي مادتان فقط، مادة صلبة وهي العرجوم، ومادة سائلة وهي الماء، والعرجوم مستفاد منه منذ أن تكوّنت المعاصر، فقديماً كان يستخدم للتدفئة أو للسماد في الأرض، ومنذ عقود مضت ظهرت معامل تكرير العرجوم التي تستقبله من جميع المعاصر، مقابل ثمن معين، وتستخرج منه زيتاً يصلح لاستخدامات عديدة أهمها صناعة الصابون، ومن ثم تصنَّع المخلفات النهائية لاستخدامات أخرى وخاصة التدفئة.
ولما كان من المجمع عليه أنه توجد نسبة من الزيت في ماء المعاصر تختلف من معصرة إلى أخرى، إذ إن كثيراً من أصحاب المعاصر يجمعون هذا الزيت من خزانات ترقيد المياه السرِّية أو العلنية، وكثيراً من المواطنين جمعوا بعض هذا الزيت من مصبّات مياه المعاصر في الأودية، ما يدفع باتجاه ضرورة قيام القطاع العام والخاص بإقامة معامل تكرير مياه معاصر الزيتون (على غرار معامل تكرير العرجوم) بالقرب من معاصر الزيتون، والأراضي الزراعية، حيث تستقبل الماء الناجم عن المعاصر عبر صهاريج نقل، وتكرره وتستخلص الزيت المتبقي فيه، ومن ثم تصرف الماء المكرَّر لسقاية الأراضي المجاورة، ونقل الفائض إلى أراضٍ أخرى، وتجميع المتبقي الزائد في رامات -بحيرات- صغيرة تنشأ لهذه الغاية إذا تم التأكد علمياً من فائدة هذا الماء، وهذا يقتضي تنظيم نقل الماء وتكلفة ذلك بين المعاصر ومعامل التكرير، بوتيرة معينة، خلال كل موسم، فهل يجد هذا الرأي قبولاً لدى الوزارتين، والتحضير له قبل حلول الموسم القادم، للخلاص من المخاطر الاقتصادية البيئية الكبيرة، بدلاً من تكرار التوجيهات والتعليمات، واستمرار تكرُّر المخالفات، وتكريس المزيد من الأضرار.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية