ثقافة

استحقاق الشهداء

سلوى عباس

سأكتب بدمي شهادة ميلادي لأعيش كما أريد ولن أبالي.. هكذا قال الشهيد وهو ذاهب إلى منازلة الموت.. يعرف أنه ذاهب ليخلّد وطنه في سفر المجد لذلك هو حي في وجداننا ينثر على أرواحنا ياسمين الحياة وينبت في قلوبنا نسغ الأمل بغد رسم ملامحه بدمه، وكان القنديل الذي أنار ظلمة أيامنا.. اليوم يقف الشهيد على تخوم الحلم يرنو إلى أبناء وطنه يرسمون مستقبل أيامهم باستحقاق سيزهر بدمائه ودماء رفاقه الذين ارتقوا ليعيش هذا الوطن، هذا الاستحقاق هو عربون وفاء من السوريين للشهيد الذي قضى ليمهد الطريق لبناء غد الكرامة والأمان، فاستشهاده ما هي إلا روح عطرة فاضت إلى جنة الخلود وتركت وراءها نسيم عطر نسعد برائحته. اليوم الشهداء هم أنشودة الخلود التي ينشدها أبناء سورية وهم يتأهبون ليقولوا كلمتهم الفصل في وطنهم الذي يرغبون عبر استحقاق يلبي تطلعاتهم ويبلسم جراحهم.. أبناء سورية اليوم يكتبون تاريخهم الجديد بصوتهم الذي سيحدد خيارهم بأنهم وحدهم من يقررون مصيرهم ويختارون ربان سفينتهم الحافظ لعهود أودعوه إياها أمانة حملها في وجدانه بكل صدق وأمانة، وهاهم اليوم يجددون له العهد أن يسيروا معه يداً بيد ليتابعوا مسيرة بناء سورية التي منحتهم تاريخها الممتد على آلاف السنين من الحضارات.. ها هم الآن يصدقونها الوعد ويبصمون بصوتهم تحيا سورية حرة أبية، وليحيا الشهداء زهوة الانتصار لحقيقة قدموا أرواحهم من أجلها.. هم الذين طلبوا الموت ليهبوا الحياة لوطنهم..
الآن نقف جميعاً في محراب عظمتكم نقلب الذكريات والصفحات لنقتبس من نوركم الساطع الذي أضاء سماء الوطن.. ذلك النور الذي جدد عزائمنا وغرس فينا حب التضحية والفداء أنتم الأكرم والأنبل، كتبتم بدمكم ملامح شخصيتكم لتعيش من بعدكم الأجيال، فما أجمل الكلام عنكم واستذكار بطولاتكم، وما أروع ارتقاؤكم وأنتم تسيرون في زفاف يرسم معالم النصر الأكيد.. أنتم  عشاق الوطن قررتم رفع مرساتكم في اتجاه شاطىء آخر، رحلتم كما السنونو يعود  إلى فضاءاته.. شهداؤنا لو تدرون كم نحن فخورين بكم، وبتضحياتكم الغالية التي ستبقى ماثلة في وجداننا حتى يحين أجلنا ونلتقيكم في رحاب الله، فأنتم تقدمون أرواحكم وتستشهدون من أجل أن يعيش أبناء الوطن سعداء آمنين.
اليوم ونحن نرتب أولويات أيامنا نكتب إليكم علّ كلماتنا تصلكم مجبولة بصدق عهد قطعناه لكم أن نكون أوفياء لرسالتكم، وأن نسافر إلى الأبعد، إلى المدى المفتوح على الغد المشرق ننفض عنا غبار الموت الذي يحاول أعداؤنا نثر رماده على أرواحنا وأمام رحابة هذه اللحظة المفصلية التي نعيشها الآن نحتفي بكم بكلماتنا المكتوبة بفرح القلب وألق الذاكرة لأن أعناقنا مطوقة بياسمين طهارتكم نغزل منها وشاحاً جديداً للحياة، ننهض من أحزاننا وآلامنا نرسم لقلوبنا فضاءات تليق بنقاء بياضكم، ونفتح  في الحياة نوافذ تطل على أمل رسمتوه بدمائكم.. لقد تحررنا من فصول الصمت والانكسار التي تعاقبت علينا لسنوات أربع ليزهر ربيع حياتنا المشرق ببريق نظراتكم الأخيرة على وطن خُلدت اسماؤكم نجوماً في علياء مجده.. أنتم ستبقون أنشودة الخلود، بدمائكم الزكية وأياديكم الفتية صُنعت الحضارة، وبمجدكم رفعتم لواء الأمة فكانت قوتكم أمام ضعف الأعداء وشجاعتكم أمام جبنهم. نعرف أن الموكب طويل جداً، وقافلة الشهداء ينضم إليها كل يوم علم جديد.. آلاف من الشهداء ومن كل الأعمار يرتقون كل يوم وهم يرفعون الرايات المعطرة بدمائهم الزكية الطاهرة ليرسموا معالم وطن أدركوا بيقين الحقيقة التي اصطفاهم الله لأجلها كم يستحق من تضحيات وعطاءات.. اليوم ونحن نستعد لنصر أيامنا القادمة باستحقاق سيكون خطوة الوفاء الأولى للرياحين العابقة أرواحهم بطهر الوطن.. فوردة بيضاء لأرواحكم وتهنئة من القلب أن يحمل لكم وسام الشهادة المجد والخلود.