“إعلامنا المقاوم” ومواجهة التضليل الإعلامي
سنوات ثلاث ونيف خاضها الإعلام السوري في مواجهة أكبر محاولات التضليل الإعلامي التي شنتها العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية، والتي تقدر ميزانيات بعضها بمئات ملايين الدولارات، حيث جهدت تلك المحطات لاستخدام كافة السبل بهدف تقديم صورة مغايرة للواقع، فزورت بعض الأخبار، ولفقت بعضها، واخترعت البعض الآخر، هذه القضية بدأت منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم تنته إلى الآن، رغم أن العديد من تلك المحطات المغرضة فقدت مصداقيتها، وثبت بالأدلة القاطعة تزويرها للحقائق.
ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد تناولت الإعلامية نجوى صليبة في محاضرتها التي ألقتها مؤخراً في ثقافي الميدان بعنوان: “إعلامنا المقاوم”، كيف واجه إعلامنا الحرب الإعلامية التي شنتها القنوات المغرضة علينا؟.. وفي البداية قدمت صليبة مقارنة بين طريقة تناقل الخبر قديماً وحديثاً، ففي السابق كان الناس يدركون فقط أخبار مناطقهم، وكانوا يحصلون على أخبار يسيرة عن العالم كل صباح من الجريدة، أما اليوم فلم يعد هناك لزوم لانتظار جريدة الصباح لمعرفة أخبار العالم، على اعتبار الخبر قد أصبح على طريقة “ويسترن يونيون”: “أرسل الآن، استقبل الآن”، طبعاً بوجود المواقع الالكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي.
وبفضل انتشار وسائل الإعلام، وحاجة النظام السياسي إلى أداة فعالة في توجيه الناس، والسيطرة على خياراتهم، بدأت مسألة التغطية الإخبارية في التنامي من الغرب، وتحديداً أمريكا، وكانت تلك السيطرة تتم دون إشعار الناس بذلك من أجل أن تبقى أجواء الحرية والديمقراطية سائدة دون مساس على المستوى الظاهري، وكان ذلك يتم من خلال عدة أساليب حددها “هربرت شيللر” في كتابه: “المتلاعبون بالعقول”، ومن الأساليب التي ذكرتها صليبة، على سبيل المثال، أسطورة التعددية الإعلامية التي ترى أن حرية الاختيار، والتنوع أمران مرتبطان ببعضهما ارتباطاً بنيوياً، فلا حرية للاختيار دون تنوع، لكن ما يحدث حقيقة أن كل هذه الوسائل المتعددة تقدم المادة الإخبارية، أو الترفيهية نفسها من حيث الطبيعة، والتوجهات، والفارق يكمن بـ “التتبيلة” فقط، وهناك أيضاً أسطورة الحياد، ونقل الواقع كما هو، بالإضافة إلى تقنيات تشكيل الوعي، وأبرزها التجزيئية المتمثلة بنقل الأخبار، والوقائع على شكل أحداث مستقلة، وإشغال المتلقي بها بشكل آني، والانشغال التام باللحظة التي تدمر الروابط الضرورية بالماضي، كذلك هناك التغطية الفورية، ويساعد هذا الطابع الآني اللحظي على تزايد القوة التضليلية لأجهزة الإعلام، ذلك أن المادة الإعلامية سريعة الزوال، لا تخلف وراءها أية بنية باقية، أو ثابتة، لذا فهي تعوض عن عملية الفهم، وأكدت صليبة أن عملية نشر المعلومات في الولايات المتحدة، والمجتمعات الغربية الأخرى انتقلت إلى وسائل الإعلام لدينا باستخدامها الالكترونيات الحديثة، وبانسياقها وراء دوافع التنافس، والتي تجري ممارستها، أغلب الوقت، في جو من الضغط والتوتر.
بعد هذا العرض قدمت صليبة تعريفاً لعملية التضليل الإعلامي بأنها عملية بث للمعلومات المغلوطة، بما يؤدي إلى تحقيق الرغبة المسبقة بهدف توجيه الرأي العام في اتجاه محدد مسبقاً يخدم أغراض الطرف الذي قام بعملية التضليل، مؤكدة أن هذه لعبة أتقنتها وسائل إعلام عربية وعالمية زاد عددها عن الألف، جنّدها مالكوها، وحكوماتها في حربهم على سورية منذ بداية الأزمة التي نعيشها، حتى قبل ذلك بسنوات عدة، إذ دأبت هذه الوسائل على اتباع سياسة تحريضية وتضليلية، قابلها الإعلام السوري هو الآخر بكشف يومي لتضليل، وتحريف، وفبركة الأخبار، والصور، والأفلام التي كانت تنجز لتأليب الرأي العام السوري على الحكومة، وقدمت صليبة العديد من الأمثلة على ذلك، ولكن بالمقابل كانت هناك بعض وسائل الإعلام الغربية التي أدركت حقيقة قنوات التضليل، وكشفت النقاب عما تقوم به من تشويه للحقائق، وبث السموم، ومنها “راديو أوستن” النرويجي الذي قال: “لقد تحولت قناة الجزيرة القطرية إلى قناة فضائية تابعة لجماعات إرهابية باتت تمتلك أرشيفاً مرعباً من القتل، والذبح، وتدريب الأطفال على القتل، وتفجير السيارات المفخخة وسط حشود المدنيين في سورية، ومازالت قناة “الجزيرة” تصر على وصف كل هؤلاء القتلة القادمين بفتاوى من “تنظيم القاعدة” من دول عربية، ودول أخرى بأنهم “ثوار” يسعون إلى تحقيق الديمقراطية، ورعاية حقوق النساء والأطفال!.
وعن الإعلام السوري، وما يقال عن تقصيره في نقل الحقيقة، وبالتالي قطع الطريق على هكذا تضليل، وتشويه للحقائق والأحداث الحاصلة في سورية خلال السنوات الثلاث الماضية، رأت صليبة أنه كان هناك بعض التقصير الناتج عن الترهل الذي يعانيه هذا القطاع أحياناً، وأحياناً أخرى نتيجة نقص الكوادر الإعلامية، هذا إضافة إلى أن الإعلام الرسمي يبقى رسمياً، وتابعاً لسياسة البلد، أما الإعلام الخاص فقد اتخذ منحى آخر اتسم بالتعصب لطرف دون آخر، شأنه في ذلك شأن رواد الـ “فيس بوك”، والـ “تويتر”، وبقي إعلامنا في حالة ردة فعل دائمة، أي أخذ دور المدافع دوماً ليشن هجومه متأخراً، وبالعودة إلى رواد الـ”فيس بوك”، وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي، ودوره في التضليل الإعلامي، لابد أن نعترف بأن مرتادي هذه المواقع أخذوا دور الإعلامي المواطن، ولعبوا دوراً كبيراً في تجييش الشعب، وتضليله أيضاً، مع الإشارة إلى قلة قليلة من الصفحات التي اتخذت الموضوعية، والحياد منهجاً، وهذه تكفي أصابع اليد الواحدة لتعدادها.
وفي النهاية أكدت صليبة أن الإعلام المحلي هو كأية مؤسسة حكومية في سورية، محكوم بمعايير مجتمعية، وسياسية، ورغم ذلك استطاع خلال الأزمة أن يحقق نقلة لا بأس بها، ومجرد التغيير البسيط يعني أن هناك قابلية لكسر القواعد، والقيود قليلاً، لكننا في الوقت نفسه نقر بإيجابياته كإعلام مقاوم، بشهادة بعض الإعلاميين العرب، بعيداً عن حكوماتهم، ومؤسساتهم.
جلال نديم صالح