ثقافة

محطات لا تعرف الهدوء ؟!

– تمرُّ الأيام وترتطم المواعيد، تولول اللحظات هاربة من جفاف هذا الشتاء الكابي! رويدك ياحبات المطر تعالي كحّلي جفن الأرض الدائخة على مفترق دروب الانتظار!
جفت الدموع في مآقينا، هاهو آذار يضحك، يبتسم، يرتجل الأناشيد، يمازح الهضاب، يغمز بحاجبه ضباب الحقول!- قادم من صوب أغنية- يفترش الينابيع الغائره بين الحصى الخائفة تحت طيات الأقنية الصامتة كمدينة فاجأها الزلزال بُعيد منتصف الليل والناس نيام، وبقيت بمن فيها خرابا وقاعا صفصفا، يحلق فوق سمائها الرمادية سرب الغربان تنعق بخوف وذعر تفتش بين الأطلال عن بقايا -طعام من لحم البشر المطمور قهرا وعذابا بين الأنقاض-
– آذار تفيأ ظل السهول المرمية على كتف الزمان، تصهل فرسه، ولجامها في يديه، والعائدون من الحقول البعيدة، يراقبون السماء بعيون دامعة زائغة علها تظهر عليهم من خلف المدى الأزرق غيمة!
وصراخ الأطفال نشيج الأرض والسماء، أين الربيع يا أمي؟ متى نذهب إلى البريّة، نقطف شقائق النعمان، نتسلق التلال القريبة، نُشلِّع الخبيز والدردار والسلبين والـ… ونختبئ بين شجيرات العيرون المزهرة، ماذا يا أمي؟ لماذا تبكين؟
تتنهد بحسرة من أين الربيع يا ضناي؟ بخلت علينا السماء هذا العام ياولدي فمن أين يطلع العشب؟! وإلى أين سنذهب مادام الزرع مات في سرير الانتظار
– كما كانوا سابقا هانحن نلهج ونصرخ بصوت واحد عندما ينقطع المطر يغنون في الزواريب والأزقة حاملين لعبة اسمها -عروس ريّا- يرددون: “ عروس.. ريّا.. ريّا شتي عالزرع ميّا  ياغيمة غيثينا اسقي الزرع واسقينا-ياالله الغيث ياالله الغيث بجاه محمد وأهل البيت. الظلام ملثم يطارد نجما شطَّ، يجزُّ جديلة نجمة حنت عليه قبيل شروق الشمس، سهرت تكفكف أحزانه وآلامه،! فمتى تعشب الأغاني وتزهر الأناشيد، وتثمر حقول اللوز؟! إنها المواعيد يا رفيقة المشاوير، هاهو ذا قطار الأماني يعبر كالسهم في جنح العتم، متخفيا كاللصوص في مداخل مغارات التاريخ المشوه، صارخا في يقظة مجروحة مزمجرا مهددا الزمان بأن محطات الاستراحة ملأى بالعشاق وجرحى الحروب والقتلى، وأمهات وزوجات الجنود العائدين من خنادق القتال! تتعالى الزغردات، يضج المكان بصدى القبلات، ونحيب الكلمات المهموسة، وبكاء الأرامل!
– قفي يا شاردة الزمان والمكان، فالغمام يدغدغ أطراف البادية، رذاذا ووابلا من البرد القاتل، ذعرت الرعيان و”هجّت” الأغنام، وولت هاربة “مرياع” القطيع، وناخت الإبل، وانهدت مضارب العربان، وخرجت البشر تنتف الشعر وتلطم الخدود، صارخة رحماك أيتها الغيوم القاسية، نريد مطرا يبل جفاف ريق الأرض، لا نريد بَرَدا بحجم الجوزة، كأنها الطير الأبابيل!
فإلى اللقاء يا رفيقة الجراح والمعاناة، ومزيدا من رحمتك يا رب الكون!. وارعد بالمطر يا آذار الهدار فيك الصواعق والأمطار.. إن أقبلت آذار وراءها وإن أمحلت آذار وراءها.. هكذا يقولون.

خضر عكاري
khudaralakari@hotmail.com