فلسطين – الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان.. يا فلسطين
تعتبر العديد من المذاهب الشعرية باختلاف ظنونها، أن الاستخدام المفرط للكثير من كلمات اللغة العربية، أفقدها بريقها، وبالتالي صارت كتابة مثل “الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان”، هي كتابة رجعية في المنجز الشعري الحديث، للاستخدام الجم الذي لحق بها، رغم أنها أي “الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان” من العبارات التي تختزن طاقة إيحائية عالية، ومسبوكة شعرياً بأسلوب شعري عالي المزاج، هذا ما حدث لـ “فلسطين”، هذا ما حل بهذه الكلمة ودلالتها، اسم فلسطين لم يعد يقع في النفس كما كان يقع سابقاً، عندما كانت كلمة واحدة “فلسطين” تكفي لاستنهاض أمة.
من شوه هذه الكلمة وعهرنها، هم الأعراب “الأشد كفراً” كما وصفهم القرآن الكريم، استهلكوها في خطبهم الطنانة التي لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت فيه، ليلحق بركبهم شلة من أنصاف المثقفين وأشباه أهل الفكر، عندما طرحوها بسياقات مائعة، لا حيل لها باستنهاض أي همة سوى همة “عندما يذهب الشهداء إلى النوم” على سبيل المثال لا الحصر.
صدقاً أرهقتني قصائد العديد من شعراء القضية الفلسطينية، الذين شيدوا بروجاً من المجد والشهرة على جثتها، ثم مضوا إلى المنافي الفارهة، يجلدون أنفسهم على الورق الأبيض فقط.
هكذا صارت “فلسطين” سيدة جريحة تئن بصمت خوفاً من إجهاز الأشقاء عليها نهائياً إن صدر عنها أي صراخ في أروقة عالم الحريات الجديد، خصوصاً عندما عرف أبناؤها، أن عرّابي السلام مع إسرائيل بالجهر وبالخفاء، باعوها وقبضوا مهرها الغالي، ليبقوا متوسدين خوازيق عروشهم المتهالكة.
تمر ذكرى النكسة الفلسطينية وكأنها جنازة لفتاة هرمة، هكذا فجأة هرمت وشابت الرسولة بشعرها حتى الينابيع، بعد أن منّت النفس طويلاً بكحل عربي لعيونها الواسعة كبحر، وبعد أن تاه أولادها في أصقاع الدنيا، ليصيروا أبناء الشتات ومخيمات اللجوء الخالدة.
أفاقت فلسطين في يوم ذكرى قهرها، رأت نهر الأردن جافاً، وسيناء غريبة، ومن يموت أولاده كرمى لعيونها، اجتمعت عليهم كل قذارات وحثالات هذا العالم المتحضر بشحم النفط، تمنت لو أنها بقيت بسباتها الشتوي إلى الأبد، بعد أن رأت كيف أن الرصاص الذي باعت نفسها لتشتريه، جاء من بعض أبنائها ومعظم أشقائها، من يوجهه إلى ظهرها أيضاً.
فلسطين– فلسطين، أحاول أن أردد هذه الكلمة لأرى إن كنت سأقع في فخ الرتابة التي وقعت بها “الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان”.. لكن مهلاً ثم ما يجمع بين هذه وتلك، أخشى أن تصبح فلسطين فعلاً ذكرى وناقوسها يدق في عالم النسيان فقط.
هل قلت أخشى؟ لم أعد أذكر.!!
تمام علي بركات.