“القالب والغالب”..؟
في العامية الدارجة يقول المثل: “القالب غالب”، والمراد منه الدلالة على أن أصل الشيء أيّاً كان هو الأغلى والأكثر قيمة وفائدة، إذ لا يعقل أن يكون ملبوس العروس أغلى من لابسه، رغم أننا لا نقلل من أهمية الأول في كيفية تظهير الآخر وأثر هذا التظهير.
قولنا لما تقدّم مردّه إلى أمر أخبرنا به خازن وعضو اتحاد المصدّرين السوريين، إثر ما خلص إليه اجتماعهم مع الجمارك العامة بشأن إمكانية استعادة العبوات التي تصدّر بها حمضياتنا إلى العراق.
واللافت المفاجئ كان عندما أكد لنا عضو الاتحاد أن ثمن العبوة يفوق ثمن الحمضيات الموضّبة فيها، ونظراً لذلك سعوا إلى استعادة عبوات التصدير..
هذا الواقع يقودنا إلى تسليط الضوء على قضيتين اثنتين مهمّتين جداً لإنصاف منتجاتنا الزراعية المصدّرة..
الأولى تتصل بما يسمّى “الأمبلاج” أو “اللوك” الذي عبره نسوّق لمنتجاتنا في الأسواق الخارجية وتكلفة الشكل في التسويق والترويج، لناحية توفر المواد الأولية اللازمة لتصنيعه وتكلفة التصنيع وأثره في عملية التسعير، وبالتالي قدرته على المنافسة في الأسواق.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلنتذكر ما كان قد صرّح به الدكتور المهندس سامر العثمان مستشار اتحاد غرف الزراعة السورية والمدير الإقليمي في الشرق الأوسط لشركة التوثيق الدولية الإيطالية “ims” التابعة للاتحاد الدولي لحركات الزراعة العضوية، إذ أكد “أن منتجاتنا تسوّق لروسيا على أنها منتج تركي”، لافتاً إلى أن هذا خلل يعمل على حلّه، عبر البحث عن أسواق تبادل بديلة، علماً أن هناك أكثر من دولة تلجأ إلى استغلال منتجاتنا، عربية وأوروبية.
وبانتظار ما يسفر عنه البحث الذي يحفظ لمنتجاتنا سمعتها ومكانتها وقيمتها وتنافسيتها، يؤكد المختصون أن الحمضيات السورية على سبيل المثال تتمتع بنوعية عالية جداً، لكنها لا تزال تعاني من مشكلة التوضيب والتغليف اللذين بدورهما لا يزالان دون المستوى العالمي، فعندما تعرض حمضياتنا في الأسواق المجاورة تتراجع أمام الحمضيات التركية بسبب هذه المشكلة، رغم أن جودة حمضياتنا أعلى وأكثر منها.
تجاوز هذا الموضوع يقودنا إلى القضية الثانية المجال الرحب والقوي للمنافسة والمطلوبة التفعيل في هذه المرحلة، والقاضية بتسويق قسم من الحمضيات السورية كحمضيات عضوية لخلق أسواق جديدة منافسة، وخاصة أن الأسواق العالمية متعطشة للمنتجات العضوية، وأسعارها مهمة كمصدر جيّد للعملة الصعبة.
ومع أن سورية بدأت بأول دخول حقيقي في تجربة الزراعة العضوية في عام 2005- 2006، بعد أن كانت غير موجودة على خريطة الزراعة العالمية في الزراعات العضوية، ومع أنها أصبحت تمتلك عدداً من المنتجات العضوية، لكن هذا لم يشفع لها لتأخذ المكانة والحصاد المهم لمثل هذا الإنجاز.
إنجاز لا بدّ من ترجمته عبر تحويل المساحات الزراعية التقليدية إلى مساحات عضوية لخلق سوق إنتاج غير موجودة سابقاً، وإعطائه قيمة مضافة وتصديره إلى الأسواق الباحثة عنه التي لا يهمّها مصدره، فرصة تنعكس بشكل أساسي على منتجنا ووضعنا الاقتصادي.
وكانت الأزمة قد أثبتت للجميع أنه في فترة من الفترات أضعنا بوصلتنا الزراعية لمصلحة تسويق فكرة القطاع الصناعي والسياحي بدلاً من الزراعي، من خلال تطوير القطاع الصناعي الذي لم يكن ينسجم مع الواقع السوري، فنحن كبلد يعدّ الأفضل زراعياً في المنطقة، ويقدر على فعل زراعة هائلة، وهو قادر ومرشح لأن ينتج أكثر من هولندا بستين مرة.
وطننا يملك إمكانية ليكون من أهم اقتصادات العالم بسبب قوة الإنتاج الزراعي فيه، والأزمة كانت مثالاً حيّاً لتؤكد أننا كذلك وأن قوة اقتصادنا وأمننا الغذائي سببها قوة إنتاجنا الزراعي أولاً.
ويبقى المطلوب بشكل أساسي تحسين القطاع الصناعي المرافق لعملية الإنتاج الزراعي، والعمل على خلق أسواق جديدة للمنتجات ضمن المواصفات والسندرات العالمية بنوعية جدية أكثر من الكمية.
قسيم دحدل
qassim1965@gmail.com