أدهشوا بأفكارهم الفنية والفلسفية شعوب الأرض: الفن الكاتالوني نموذجاً
روح الفن روحاً مستمرة تتجه نحو المستقبل ويفتح الجمال الفني مجالات تواصل شتى وجديدة بين الشعوب، وهذا مايشهد به التاريخ، ولا شيء أفضل من الفن كلغة لا تعرف الحدود، تتوافق مع المعرفة والتفاهم بين البشر، بالإضافة إلى كنه الفن الذي يتركز في وحدته كظاهرة تغتذي بخيال غني وعظيم. يحتوي تاريخ الفن الإسباني على عنصر مركب ذي أهمية فريدة ضمن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وقد مثّل ذلك مجموعة من الفنانين الذين يعتبرون من أهم العلامات الفنية في القرن العشرين، كما يمثلون شمس إسبانيا المشرقة التي تتشارك مع سكان ضفاف المتوسط، ورثة الحضارات المتقاربة.
هؤلاء الذين طوروا في مستوى فن العالم للقرن العشرين وحافظوا على التقليد الواسع للمنطقة كمساحة تركيز فني متآلف ومتعدد، نذكر بعضاً منهم تميزوا في ميادين التصوير والنحت والحفر وفن العمارة وأدهشوا بأفكارهم الفنية والفلسفية شعوب الأرض.
أنتونيو غاودي: روس1852- برشلونة 1926
مهندس معماري نفذ كاتدرائية “العائلة المقدسة” في برشلونة وعمارة “بدردا” اللتين تحظيان باهتمام عالمي، في عمارته يترافق بشكل متساو مع البحث والدهشة الغنائية، فأشكاله تنطوي على إيحاءات، والتقانة التي نجدها في الفن الروماني وبعض الهندسات المغربية وصولاً إلى مالي مترافقة مع هندسات منطقة البحر المتوسط وصولاً إلى بيئات جديدة.
خَبِر الأعمال الحرفية باكراً وكان شديد الاهتمام بالطبيعة وبالجانب التطبيقي للهندسة المعمارية بدلاً من الجانب النظري، ويعتبر غاودي وبيكاسو هما من مهدا الطريق إلى الحداثة الفنية الكاتالونية المتأثرة بالفن والثقافة الفرنسية تأثيراً واضحاً.
بابلو بيكاسو: مالقة 1881- موجان 1973
والده أستاذاً للرسم وقد تعلم الرسم باكراً، وصل برشلونة 1895 وكان رساماً ماهراً، تعرّف في باريس على الأعمال الانطباعية، وعرف بمراحله الفنية العديدة مثل المرحلة الزرقاء، وحينما استقر في باريس بدأ مرحلة جديدة تسمى مرحلة الزهور، اشتغل على تطوير الاتجاه التكعيبي، ولصلته القوية بالمسرح وسفره إلى إيطاليا أثر كبير في إنجازه للوحات المميزة، تواصل مع الفنانين السورياليين في العشرينيات من القرن الماضي، خلال الحرب الأهلية الإسبانية وقف في صف الجمهورية الإسبانية التي عينته مديراً لمتحف “برادو”، ونتيجة للقصف الجوي لقرية جيرنيكا في منطقة الباسك قام بيكاسو عام 1937 برسم لوحة جدارية تكريماً لهذه القرية، عرف باشتغاله على العديد من الخامات وقد أنتج العديد من الأعمال الفنية الخزفية والنحتية، وجعل منه إبداعه المتواصل واحداً من أعظم فناني القرن العشرين.
خوان ميرو: 1893-1983
تم التأسيس لحركة الفن الطليعي الكاتالوني مع جيل خوان ميرو الذي ربطته صداقة فريدة مع أندريه بريتون ولويس أراغون وبول إيلوار، وقد ساهم في إصدار العديد من الكتب. يعتبر خوان ميرو النحت هو الفن الأقرب إلى الطبيعة، كما يعتبر الفن التشكيلي ينبع من الجذور التي توجد في الشعر والموسيقى، معتبراً نفسه “شاعراً تشكيلياً”، وقد ساهمت إبداعاته في إرساء مبادئ الفن السوريالي والفن الطليعي بعيداً عن أي خطاب أيديولوجي. وكان للحرب الإسبانية والأوروبية أثر في أعمال ميرو الإبداعية، ففي سنة 1947 أقام في الولايات المتحدة لمدة 6 أشهر وفي 1951 رسم حائط اليونيسكو في جامعة هارفارد وتمكن من البحث والتطوير في فن الزخرفة مما أدى به إلى مجالات أخرى من فن السيراميك والنحت وحتى التنجيد، وقد عبرت أعماله عن سوريالية بعيدة عن الكلاسيكية ونجح في الفضاء التعبيري للعمل الفني حيث نجد العنصر المجازي والتجريدي.
سلفادور دالي: 1904- 1989
تعرف على الفن التعبيري مبكراً، تربطه صداقة مع لويس بونييل وغارسيا لوركا في مدريد حيث تأثرت أعماله بالفن التكعيبي، كما تربطه علاقة قوية مع غالا زوجة بول إيلوار، أصدر والسورياليين الفرنسيين في باريس بياناً هاجموا فيه الفن التقليدي وعرف ببيان “جروك” الذي وصف الفن التقليدي بالفن المبتذل، وقد ساهم دالي مساهمة قوية في نشر تيار الحداثة وقدم لمعرضه “اندريه بريتون”، كما عمل على إحياء جماعة السوريالية وكتب عنها “السوريالية في خدمة الثورة” حيث قدم نظرية الوظيفة الرمزية للأشياء، والنتيجة التي كان يريد الوصول إليها هي فهم الصدفة اللاشعورية، ويرى أن الأشياء تقدم وظيفة ميكانيكية محدودة وترتكز على الأشباح والأوصاف التي تنتج عن الأفعال اللاشعورية ويعتبر أن الوظائف الرمزية للأشياء تشكل شذوذاً كونها مرتبطة بالخيال الرومانسي للشهوات الجنسية.
وبالعودة إلى الفن الطليعي الكاتالوني الذي تأسس مع جيل خوان ميرو وبمساهمة أنشطة أصدقاء الفن، هذا الجيل الذي فقد هويته خلال الحرب أراد استرجاع هذه الهوية محاولاً دخول عوالم وآفاق جديدة بالتزامن مع اندلاع الحرب في أوروبا، وبدأ هذا الجيل بفتح قنوات ومشاريع خارج بلاده وبدأت شهرتهم تنطلق، كما يعتبر أفضل عمل فني سمح لهؤلاء الفنانين باكتساب الاعتراف العالمي هو عمل بابلو بيكاسو “جيرنيكا”.
أكسم طلاع