في محاضرتها حول “الوطن في أدب الأطفال” أميمة إبراهيم: الكتابة للطفل تحتاج إلى كاتب يسكن في خلاياه طفل حالم مشاغب تواق للمعرفة
أدب الأطفال وتحديات المرحلة المقبلة
يقول الشاعر شوقي بغدادي في إحدى قصائده عن الأطفال:
هنا في فراغ القلب طاروا وحوّموا فراشــات حقـلٍ في عيوني تُـدَوّمُ
أراهم مدى عمري فكـل قصيدةٍ أغنّي قوافيَـها التي تُشتهــى هـمُ
في سياق الحديث عن أدب الأطفال لفتني حوار أديب الأطفال صبحي سعيد مع بعض الأطفال قبيل المحاضرة التي ألقتها الأديبة أميمة إبراهيم رئيسة مكتب الثقافة في منظمة طلائع البعث في مقر فرع اتحاد الكتاب العرب بدمشق حيث قدّم الأطفال الذين حضروا ذلك اللقاء عدداً من القصائد بعضها من تأليفهم وبعضها الآخر لشعراء معروفين والجميل أن حب الوطن كان الحاضر الأقوى في تلك القصائد، أما الشيق في حديث سعيد مع الأطفال فهو تركيزه على أهمية قيم الأمانة والصدق واحترام الوالدين وحب الوطن، وربما كانت هذه القيم السبيل الوحيد للخروج من آثار السنوات الثلاث التي نأمل أن تصبح من الماضي.
وبالطبع لكل أديب تجربته الخاصة مع الأدب، وربما كان لأديب الأطفال الخصوصية الأكبر لأنه يتعامل مع براعم في بداية تشكل وعيها مما يحمّله رسالة في غاية الأهمية وفي هذا الإطار تحدثت الأديبة إبراهيم عن تجربتها من خلال محاضرتها التي حملت عنوان “الوطن في أدب الأطفال” مؤكدة في بدايتها أن الكتابة عن الوطن كتابة عن مقدس تنحني الهامات له وتقف بخشوع في محرابه. واعتبرت إبراهيم أن كلمات الوطن والمواطنة والمواطن والوطنية كلمات ملتصقة ببعضها البعض دالة على الانتماء للأرض من خلال عملية التوازن بين الحقوق والواجبات وكل فرد منا يعبر عن ولائه للأرض التي احتضنته وعطفت عليه وغمرته بحبها وحنانها بطريقته الخاصة. كما قدمت إبراهيم رؤيتها لأدب الأطفال في سورية وفي هذا السياق قالت: من خلال متابعتي لما يكتبه زملائي أدباء الأطفال لاحظت أن أديب الأطفال في سورية ملتزم التزاماً كاملاً بالقضايا الاجتماعية والجمالية معتمداً على منظومة القيم المعرفية والتربوية والوطنية، علماً أن الكتابة للأطفال لها خصوصيتها كونها تتوجه إلى سنابل في أول نموها وهي كتابة صعبة تحتاج لمعرفة ودراية بعالم الطفل وسلوكه ليتمكن الكاتب من محاكاة عقول الأطفال، فالكتابة للطفل تحتاج إلى كاتب يسكن في خلاياه طفل حالم مشاغب تواق للمعرفة فضولي جميل ويجب أن يكون ممتلكاً لأدواته الفنية عارفاً بقاموس الطفل اللغوي واحتياجاته المعرفية والحياتية. وعن تجربتها الخاصة أوضحت إبراهيم: مثلي مثل زملائي أدباء الأطفال في سورية أعي أنني يجب أن أرتقي بكتاباتي إلى مستوى الأطفال لأنني مؤمنة بالطفل وبقدراته الكبيرة وربما كان لعلاقتي مع أطفالي في المنزل وتلاميذي في المدرسة دور مهم في توجهي إلى الكتابة للأطفال وربما كانت الطفلة الحالمة في أعماقي تصر على أن تظهر وتقول أنا موجودة. كما تحدثت إبراهيم عن دور منظمة طلائع البعث الريادي في إيصال أدب الأطفال إلى أطفال سورية من خلال منابرها والمهرجانات والفعاليات الثقافية المتنوعة، واستشهدت حول ذلك بأقوال لأدباء كتبوا للأطفال منهم د. سمير روحي الفيصل ونور الدين الهاشمي، وتعود إبراهيم لتجربتها الخاصة لتؤكد دور المنابر الثقافية لمنظمة طلائع البعث والتي أتاحت لها فرصة اللقاء بأطفال من جميع المحافظات، والتي لم يقتصر دورها على أن تقرأ لهم فيها وتحاورهم وتعرف رأيهم بل إن هذه الملتقيات منحتها الكثير وأدخلت روح السكينة إليها. وتتابع إبراهيم: ما زلت إلى الآن أغتنم فرص اللقاء بالأطفال رغم أني آليت على نفسي ألا أكتب لهم في هذه الظروف كي لا تتسرب إلى نفوسهم البريئة ملامح الحزن أو القهر فكفاهم ما يعيشونه من قلق وكوابيس ورسالتي إليهم رسالة الحق والخير والجمال والحب والنقاء وفي ختام محاضرتها أكدت إبراهيم على أهمية توفير المنابر الإعلامية الخاصة بالأطفال وعقد الندوات والمؤتمرات التي يتم فيها نقد وبحث الإبداع الموجه للطفل وتدريس أدب الأطفال في كليات التربية والآداب.
إن ما قدمته الأديبة أميمة إبراهيم عن أهمية أدب الطفل والشروط الواجب توافرها في أديب الأطفال في غاية الأهمية لكنني أخالفها الرأي عندما تحدثت عن ابتعادها عن الكتابة لهم في هذه الفترة لأنه باعتقادي أن هذه المرحلة القاسية التي عاشها الطفل تحمّل أدباء الأطفال رسالة مزدوجة جانبها الأول يتعلق بغرس قيم الحق والخير والجمال وحب الوطن في نفوسهم أما جانبها الآخر فيتعلق بدور أدباء الأطفال في هذه المرحلة ومسؤوليتهم في أن يساهموا بترميم الشرخ الذي حدث في نفوس أطفالنا خلال السنوات الثلاث التي عاشوها بما تحمله من عنف ودماء.
جلال نديم صالح