سورية الأمل والعمل بقلم الرفيق د.خلف المفتاح عضو القيادة القطرية للحزب
لم تكن الانتخابات الرئاسية، التي شهدتها سورية خلال الفترة الماضية وفاز فيها السيد الرئيس بشار الأسد بأكثرية ساحقة عززت شرعية النظام السياسي وخياراته في مواجهة الأزمة، نهاية مرحلة رئاسية وبدء أخرى، بقدر ما هي بداية تحوّل بنيوي في فضاء الدولة السياسي، وآليات إنتاج مؤسساتها المنتخبة، وكذلك الدور الوظيفي التقليدي لتلك المؤسسات، ما يؤدي إلى توطين ثقافة جديدة في هذا الخصوص.
إن الحديث عن سورية متجددة، ليس تنويعاً على ما سبق، أو خطاباً إعلامياً وحزبياً، بقدر ما هو توجّه حقيقي لتغيير وإصلاح في المجال العام يصيب البنية المشكّلة للدولة السورية انسجاماً مع مضامين الدستور النافذ في الجمهورية العربية السورية، وترجمة لموجبات وأبعاد جوهر برنامج الإصلاح الشامل الذي قدّمه السيد الرئيس بشار الأسد مع وصوله لسدة الحكم عام ألفين تحت عنوان التطوير والتحديث، ذلك البرنامج الذي لم يتح له -من وجهة نظرنا- أن يأخذ كامل مساحته؛ بحكم عوامل متعددة منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو ذاتي، إضافة للعوامل الخارجية والظروف التي عاشتها المنطقة، وسورية على وجه التحديد، مع التأكيد أنه أنجز الكثير على مستويات سياسية واقتصادية وتنموية، وحيث توفرت عوامل النجاح، وأدواته، وبيئته الحاضنة.
إن الحديث عن برنامج إصلاحي هو حديث جذاب، يجد له صدى طيباً في كل الأوساط الاجتماعية والسياسية، وغيرها من مكونات المجتمع، ولكن التحدي الأول الذي يواجهه أول مشروع إصلاحي على مستوى الدولة هو التحدي الذاتي، أي مؤسسات الدولة ذاتها، والعقلية، والذهنية التي تقودها وتتحكم في آليات تعاطيها مع كل ما هو جديد.. ولعل المفارقة هي أننا نلحظ أن أكثر المصفّقين والمتحمّسين للإصلاح هم في غالبيتهم معيقو ذلك، بل ومعارضوه الفعليون، من هنا تأتي أهمية البحث عن الأدوات المناسبة، والنظيفة، والمؤهلة أخلاقياً، ومهنياً، وفكرياً لذلك، وضرورة إزالة وإزاحة قوى الشد العكسي من انتهازيين ومتسلقين التي تدّعي الاندماج في عملية الإصلاح شكلاً وتعيقه مضموناً؛ لأن الإصلاح بالمعنى العملي يعني إزاحة تلك القوى من ساحة العمل السياسي والتنفيذي، وحلول قوى أخرى محلها.
وأمام ترابط المصالح والمنافع والمفاسد يمكن لتلك القوى المتحالفة مصلحياً عرقلة ذلك، إن لم نقل إفشاله، خاصة وأنها بحكم تموضعها في البنية العامة للسلطة قادرة على تزيين المصالح الخاصة بالمصلحة العامة بادعاء الحرص والخوف من تداعيات الإصلاح على بنية النظام السياسي واستمراره.
إن عملية الإصلاح التي يتبنّاها رأس الهرم السياسي في الدولة، مشفوعاً بقوة دفع ذاتي تشكلها القوى الحية والفاعلة في المجتمع، سواء كانت سياسية أو مجتمعية، ولا سيما الشابة منها، قادرة على إزاحة قوى تحاول إعاقة وعرقلة عملية الإصلاح تلك، بل وتشكّل الضمانة الحقيقية لنجاحها؛ فالقوى الفاسدة، والمهترئة، والمستهلكة اجتماعياً، والمرفوضة شعبياً لا يمكنها أن تبدي أية مواجهة علنية لأي مشروع إصلاحي حقيقي يدرك المواطنون أهميته في حياتهم، ومستقبل وطنهم، وأمنه، ورخائه، واستقراره، وحريته.
من هنا تأتي أهمية التقاط اللحظة التاريخية التي وفّرها الاستحقاق الرئاسي، وما حظي به السيد الرئيس بشار الأسد من تأييد شعبي واسع، لتكون نقطة التحوّل تلك باتجاه بناء سورية المتجددة، سورية الأمل في عيون أبنائها، وذلك من خلال توسيع المشترك السياسي، والشراكة الحقيقية في بناء الدولة والمجتمع، وتحمل المغرم والمغنم، وتفعيل مضامين الدستور النافذ، ليتحوّل إلى كائنات حية حقيقية يلمس جميع السوريين آثارها، وانعكاساتها الإيجابية على الشأن العام أولاً، وحياتهم ثانياً، مع التأكيد على مبدأ سيادة القانون، وسيادة الدولة، والحرية الإعلامية الملتزمة بمصالح الشعب والوطن، وثوابتهما، ما يعني صياغة عقد اجتماعي وطني وأخلاقي يتوافق عليه السوريون، وتتأسس عليه وحدة وطنية راسخة، قوية الجذور، قادرة على مواجهة كل أشكال التحديات الداخلية والخارجية مهما كانت طبيعة محركاتها ووقودها.. وهذا يستدعي، ليس الشراكة في المنافع والحقوق والواجبات فقط، وإنما أيضاً أن يدرك كافة أبناء الشعب أن المسألة بحاجة إلى تكامل الأدوار بين الدولة ومؤسساتها، والمجتمع، وآلياته، وثقافة العمل لديه، وحس المسؤولية، على أن يتزامن ذلك مع إصلاح وإعادة هيكلة الإدارات والقطاعات الإنتاجية، ودفع عملية التنمية في المناطق الريفية والمحتاجة، وتعزيز وتحسين بناء الحزب في الوضع الجديد، وتحفيز وإصلاح الإنتاج الثقافي، وتعزيز ثقافة النزاهة والقيم الجديدة.
إن توفر الإرادة الصادقة، وحس المسؤولية لدى الجميع، وتكريس مقولة “إن لكل مواطن دوره في عملية البناء، والدفاع عن الوطن” هي المقدمات الضرورية لإنجاز ذلك الهدف الوطني الكبير.