نقطة مفصلية
لم يكن لتطورات الأيام الماضية، سواء في العراق “داعشياً”، أم في سورية “كسبياً”، سوى أن تؤكد حقيقة واحدة ومفادها، أن الصراع بين “المشروعين” قد وصل إلى نقطة مفصلية، سيكون لها ما بعدها بالتأكيد.
وبالطبع فإن أتباع مشروع “داعش”، يتبادلون اليوم، مع جورج دبليو بوش وتوني بلير، نجمي العدوان على العراق، نخب النجاح فـ “المهمة أنجزت” الآن، والمنطقة عادت بفضلهم جميعاً، عشرات الأعوام، بل يمكن الحديث عن قرون، إلى الوراء نتيجة “تحريرها” من قدراتها وطاقاتها التي كان يمكن لها أن تواجه وتقاوم ما حضروه في غرفهم البيضاء من الخارج، السوداء من الداخل.
وفي هذا المجال يمكن القول: إنه حين عارضت سورية، وحيدة عربياً وشبه وحيدة عالمياً، غزو العراق كانت تعرف ما يحضّر له وللمنطقة بأكملها، وإن بعض ما يحدث فيها اليوم هو عقاب على معرفتها وقرارها بالمواجهة، خاصة وأن الأعراب ذاتهم الذين دعموا العدوان آنذاك، يدعمون، من جهة، العدوان الجديد عليها وعلى العراق اليوم، فيما يبكون، من جهة أخرى، «دماء يوسف»، التي شاركوا في سفكها والولوغ فيها.
أما ما عرفته سورية حينها، وما تؤكده وقائع اليوم، يتمثّل بمحاولة إسقاط وإركاع كل قوة يمكن أن تشكل خطراً على مخطط “السلام الأمريكي”، حيث “يهودية” إسرائيل أولوية مطلقة، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق سوى في محيط يعج بالدويلات الطائفية الصغيرة المتناحرة والمتقاتلة لألف عام مقبلة، محيط تسمح الفوضى، الأمنية والفكرية، التي تمور به للأعراب بنفض اليد نهائياً من “حرج” مجرد التفكير بتحرير فلسطين، بعد أن حرروا، بغبائهم، شياطين الفتنة التي ستجعلهم جميعاً، وقد جعلت معظمهم، يدورون في فلك الحاجة لقوة واحة “الاستقرار الإسرائيلية” للاستقواء بها على بعضهم البعض، وهذا أمر تثبته وقائع هذه الأيام القاسية.
والحال فإن تصريحات ومواقف محور الأعراب-الأغراب واضحة لا لبس فيها، ففيما يفقأ خطر “داعش” والتنظيمات الإرهابية (الجديدة-القديمة) العيون من شدة وضوحه، يحاول بعضهم إنكار وجوده بالمطلق ما دام يخدم مصلحته، وهذه وزيرة الإعلام البحرانية ترى أن “التنظيم” هو “اسم للتغطية على إرادة الشعب العراقي في الحرية والكرامة”، وهو ما يذكّرنا، كسوريين، بـ “انتفاضة” بعض “المعارضة” على قرار واشنطن الشكلي بوضع “جبهة النصرة” على لائحة المنظمات الإرهابية، حين اعتبروا أن كل البنادق الموجهة نحو الدولة السورية شريفة..!!!
إذاً المشهد الآن واضح للجميع، بالطبع لمن يريد أن يرى بعينيه أو بقلبه، “داعش” نقطة في بحر مخطط التفتيت والتقسيم، وهو مخطط لن يستثني أحداً، حتى من يعتقد أنه مشارك في صنعه، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الجامعة العربية متيقظة لذلك، فهي عقدت اجتماعاً، وستعقد آخر غيره، وبالطبع نددت وأدانت، لكنها هذه المرة لم تطلب اجتماعاً فورياً لمجلس الأمن الدولي تطلب فيه تفعيل الفصل السابع ضد رعاة الإرهاب، فالأمر لا يستحق ذلك بنظر “العربي” ومن يقوده من أعراب ذا الزمن الأغبر.
بيد أن ما سبق، وبعيداً عن التهويل الإعلامي المركّز والمحضّر سلفاً، يحيلنا إلى الحقيقة التي أثبتتها وقائع السنوات الثلاثة الماضية، من يموّل “داعش” ويدعمها يحاول تخريب بوادر التغيّرات الجارية في المنطقة والعالم، لكن هناك قرار مركزي ونهائي اتخذته القوى الحية في المنطقة ويمكن تلخيصه بالآتي: مهما كانت كلفة المواجهة كبيرة فهي أقل من كلفة الاستسلام، وبالتالي، لن يمروا… وأول أمس كانت “كسب” محطة من محطات كسب هذه الحرب، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد.