نقطة ساخنة تسويات.. “عفا الله عما مضى”؟!
كثيراً ما نسمع ويسمع الكل عن مصطلح “تسوية المخالفات” أو تسوية الأوضاع.. لكذا وكذا..، إلا أننا كإعلاميين لم نسمع مرة عن الكيفيّة التي تتمّ بها التسويات ما بين المُسوِّي والمُسوَّى، ولا ما هو ثمن التسوية، ومحاذير عودة حليمة لعادتها التي يبدو أنها دائمة ومحبّبة لا تستطيع الفكاك منها، وهذه العادة أيضاً تنطبق على المُخَالِفْ والمُخَالَفْ.
بالأمس رفعت وزارة اقتصادنا إجراءات الحظر عن منح عدد من الشركات الخاصة والتّجار إجازات استيراد، بعد أن قاموا بتسديد مبالغ من القطع الأجنبي، كانوا قد حصلوا عليها من مصرف سورية المركزي في وقت سابق، بغية تمويل مستورداتهم من السلع والمواد، لكنهم لم يقوموا بالاستيراد.
الفعاليات التي رفع عنها الحظر مؤخراً وعددها ثماني، ناهيكم عن أنها معروفة وذات سمعة ووزن في أسواقنا، هي جزء من مجموعة وتجار شركات ينوف عددها الـ 325 فعالية، كان قام بنكنا المركزي ومنذ منتصف العام الماضي بتعميمها على الجهات المعنية.
والغاية من تلك التعاميم كانت للفت الانتباه والحيطة.. إلى أن تلك الفعاليات حصلت على مبالغ كبيرة من القطع الأجنبي من المصارف وشركات ومكاتب الصرافة العاملة في جميع المحافظات لاستيراد سلع ومنتجات متنوّعة، دون أن تقدم أي إثباتات تؤكد قيامها بعمليات الاستيراد للسلع التي حصلت بموجبها على إجازات استيراد خوّلتها بالحصول على القطع الأجنبي.
وفي بداية الشهر الثاني من العام الحالي أصدر المركزي مجدداً قائمة محدثة بأسماء التّجار والصناعيين الذين حصلوا على القطع الأجنبي لتمويل مستورداتهم ولم ينفذوا أو يدفعوا أو يقدموا أي مستند يثبت أن ما أخذوه صرفوه في تمويل المستوردات، وشملت القائمة 60 تاجراً وصناعياً معروفين في السوق.
تسويات لمخالفات لاتزال تتكرّر، تطرح جملة من التساؤلات الواجبة التوضيح عبر الكشف عن ملابساتها وتبعاتها والآثار السلبية الناجمة عن ارتكابها التي يبدو أنها متعمّدة وعن سابق دراية وتصميم.
والتساؤلات تتناول ما قبل الحصول على القطع، بحجة تمويل المستوردات وما بعد الحصول عليها، فالاتهام الموجّه سواء للمركزي أو لغيره من جهات معنية بالموضوع، هو أن تلك الجهات تعمل وتتعاطى مع حقوقها وحقوق المال العام وفق المثل القائل “ويا دار ما دخلك شر”!!.
وقطعاً لأي اتهام وأي شر قد يتطاول على ما هو ملك لكل السوريين، نأمل ومن باب تطبيق الشفافية، وتأكيداً للثقة بجهاتنا العامة المؤتمنة على أموال الوطن، الكشف عن حجم تلك الأموال وكيفيّة استعادتها وبأي ثمن؟!
إذاً من غير المقبول بعد الآن أن يكتفي المواطن بعبارة “تمت التسوية”، فالأموال التي مُنحت لتصرف على مستورداته وهي بالعملة الصعبة، قضت أشهراً طويلة مع من ادّعى بأنها لتمويل سلعنا.
أي بصريح العبارة.. لا يعقل أن الشركة أو التاجر أو الصناعي الذي أخذها، لم يحركها ويشغلها ويستثمرها، بل إن الحديث الدائر حالياً يتهمهم بتشغيلها في المضاربات المالية، وبجنيهم أموالاً طائلة بطرق تستحق وصفاً أكبر بكثير من مخالفة فقط!!.
إنها تدمير للاقتصاد الوطني، والمصيبة أن هذا يتمّ وفق قوننة وقرارات ينطبق عليها القول: “عفا الله عما مضى”!!، ولتعود حليمة لتمويل عادتها، وعلى الدار السلام.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com