ثقافة

أفلام احترافية تجمعها نهايات تراجيدية

تميّزت الأفلام الاحترافية القصيرة التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما بنهايات تراجيدية تنم عن مأساة حقيقية تعيشها الشخوص بدافع من واقعها وإثر ردود أفعالها المختلفة، وتمثل بخطابها الدرامي ومفرداتها ملامح الأزمة بالمباشرة حيناً والتورية حيناً آخر رغم اختلاف مكوناتها ومساراتها الفنية لتضيف جميعها نجاحاً جديداً إلى السينما السورية.
“توتر عالٍ” الواقع يغتال الحلم الرومانسي
نقرأ في توتر عالٍ سيناريو سامر محمد إسماعيل وإخراج المهند كلثوم ملامح مختلفة لسكان العشوائيات الذين جاؤوا من بيئات وشرائح متعددة ليقطنوا جميعاً في منازل تتقاطع مع مدن الصفيح، يسرد الفيلم بأسلوبية سينمائية ساحرة ولغة شفافة الحلم الرومانسي الذي يغتاله الواقع فجأة، من خلال قصة حبّ تجمع بين طالبين في المعهد العالي منير وغادة (علي الصطوف ومي مرهج ) يتدربان خلال يومياتهما على مشاهد تمثيلية مقتبسة من مسلسلاتنا السورية، ففي مشهد يدخلان غمار البيئة الشامية ثم ينتقلان إلى البيئة الحلبية، ويعيشان الحلم الدرامي بجزئياته ويتخيلون ما يدور في مواقع التصوير، وفجأة يعودان إلى ساحة الحب الدافئ الذي يجمعهما رغم الأوضاع الحياتية الصعبة، يتوازى هذا الخط الدرامي مع وجود النجم أديب قدورة (أبو الفهد ) صاحب (السوبر ماركت )الذي يعيش ذكرياته الحميمة مع زوجته من خلال تفاصيل حبهما ويرتبط بمنير بعلاقة صداقة دافئة، تميّز الفيلم باللمسة الفنية الشاعرية للمخرج المهند كلثوم الذي اختار أجواء مفعمة بالرومانسية منذ البداية بدت واضحة من الإضاءة الضبابية في المشهد الأول المصاحبة للأمطار المنهمرة بغزارة والتي امتدت طوال الفيلم مع اعتماده على نغمات العود بشكل أساسي وموظّفاً مواويل فؤاد غازي لترجمة أجواء الحب على ضوء الشموع الذي يتوازى مع النار المشتعلة التي تشعر (أبو الفهد) بالدفء ،كما استخدم في أحد المشاهد الرومانسية تقنية خيال الظل، وكعادته يقتحم المشاهد بلقطة خاصة جسد من خلالها دور بائع يطلب الشموع كإيماءة إلى تبعات الأزمة وانعكاسها على حياة الناس، في القسم الأخير من الفيلم يتغير المسار الدرامي ليصبح أكثر قوة واقتراباً من ملامح الأزمة حينما تصعق غادة بموت منير الذي قرر بلحظة انفعالية إعادة التيار الكهربائي لكنه يصعق بتوتره العالي الممتزج بحبات المطر، فترفض للوهلة الأولى موته وتحاول استحضار كل المشاهد التمثيلية التي تدربا عليها تكرر (54321) لكن منير لايتحرك لترتفع صيحاتها وهي تهذي بمشهد حرب السفربلك، لينتهي الفيلم بصرخة غادة ياشام كإسقاط مباشر لما تتعرض له سورية من هجمات إرهابية من الدول المناصرة للإرهاب، وينتهي الفيلم بتلاحم الجميع ومواجهتهم الواقع.
“الرجل الذي صنع فيلماً”
وضعنا السيناريست علي وجيه مع المخرج أحمد إبراهيم أحمد بأجواء مقارنة بين الأعمال الإرهابية التي تطال الأبرياء ومشاهد الحرب الكونية التي تتعرض لها سورية ومقاومتها أشرس هجمة إرهابية، وعبْر مسارين: “الإرهاب والمقاومة” يبدأ الفيلم بزمن افتراضي في عام 2016 لحفل تكريم ومنح الجائزة لأفضل مخرج موظفاً أسماء مخرجينا الحقيقيين زهيرقنوع أحمد إبراهيم أحمد (النجم جهاد سعد)الذي يخفق ولايحصل على الجائزة، فينفذ عملية إرهابية خطط لها بدليل حمله السلاح، فيومئ لصديقته (ندين تحسين بيك) التي تخبئ المسدس في ثيابها فيطلقان الرصاص بعشوائية ليقتلوا كل الحاضرين الأبرياء، لتعود الكاميرا إلى الزمن الفعلي إلى أحداث فيلم الحصاد الذي يعرض على الشاشة ويختزل عمليات القتل والتدمير التي طالت مناطق سورية ويجسد وقائع الاشتباك بين المسلحين ورجال الجيش العربي السوري، بين صيحات الأطفال وذعرهم، واتخذ هنا المخرج الطابع الديكودرامي الذي يعتمد على مشاهد توثيقية مستخدماً تقنية الغرافيك لتصوير المشهد الدموي والتهديمي الواقعي لينتهي الفيلم الحقيقي بوجود طفل وحيد بين تراكمات الحجارة، يخرج جهاد سعد من القاعة مع صديقته كأنه بطل لتعود الكاميرا إلى الرجل السكير الذي مُنع من دخول القاعة، وأصبح شاهداً على الواقعة الإرهابية وعلى الحقيقة إلا أنه يبقى بحالة اللامكترث ويكتفي بالمتابعة في حين ترمقه ندين تحسين بيك بابتسامة ماكرة. تميّز الفيلم ببعده العميق وبالأداء البارع لجهاد سعد.
“وليمة مسعود ”
وتدور كاميرا الفيلم الثالث للمخرج وضاح الفهد سيناريو عبد اللطيف عبد الحميد في بيئة ريفية بعيدة لتجسد واقع الخوف من الموظف المسؤول كمدير ناحية ومحاولة التقرب منه بدعوته من قبل وجهاء القرية وزعيمها الذي  جسد دوره الفنان أحمد رافع  ويتم الاحتفاء به على طريقتهم، يدخل فيه السيناريست أعماق الإنسان البسيط حينما يخاف من المواجهة ويفشل مراراً بطلب دعوة المسؤول (أندريه اسكاف) لتناول الغداء لخجله وخوفه، فيضعنا المخرج إزاء ردة فعل الموظف القاسية والانكسار الداخلي الذي يصيب مسعود ويقضي عليه فتتحول وليمته إلى عزائه بوجود الموظف المسؤول، ركز المخرج على مسار درامي واحد وعلى بطولة النجم الواحد مركزاً على الأداء الكوميدي للممثل أندريه اسكاف، وتمكن من الإبحار في العمق الإنساني والإيحاء بتأويلات متفرقة، وبقيت الصورة البصرية لجماليات الطبيعة هي الأجمل في ظل الضعف الإنساني.
ملده شويكاني