بين قوسين فضاء القرارات… وفوضى الأسواق
ينظر المواطن بكثير من الحذر إلى الإجراءات والقرارات التي تعلن عنها الجهات المعنية حول ضبط الأسواق والحدّ من ارتفاع الأسعار، ويقول في سرّه: هل ستتمكن هذه الجهات من فرض ضبط فعلي لانفلات الأسواق وخروجها عن كل القوانين الناظمة للعمل التجاري والعلاقات الإنسانية؟ وهل سيكون شهر رمضان المبارك، شهر رحمة -كما هو- أم سيحوّله التجار والمستغلين إلى شهر أعباء إضافية تثقل كاهل المواطنين ذوي الدخول المهدودة، الذين لا يعرفون وفق أيّ معادلة حسابية ينفقون رواتبهم الملحقة بجداول ديون يصعب على أعتى لجان الاقتصاد جدولتها وفكّ طلاسم تكيّفها مع واقع أسواق لا ترحم، حيث استمرار ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية وسط غياب الرقابة المطلوبة، الأمر الذي أحدث شرخاً كبيراً بين احتياجات المواطن الضرورية وحجم المواد المعروضة والقدرة الشرائية المهترئة، وجعل إنفاق الأسر يقتصر فقط على الأمور الضرورية والأساسية وطبعاً في الحدود الدنيا؟.
إذاً، ونحن على أبواب شهر رمضان، زادت الجهات المعنية من تصريحاتها النارية حول ضرورة ضبط الأسواق، وأنها ستعمل على إجراءات سريعة ورادعة توقف المتلاعبين ومستغلّي حاجات الناس عند حدّهم، وتؤكد مكافحة الاستغلال والاحتكار، وبالتالي توفير الحماية المطلوبة للمواطن المستهلك.
يمكننا التأكيد في هذا المجال -مع تقديرنا لكل الجهود المبذولة- أن مجمل الإجراءات والقرارات التي تطلّ علينا في كل مناسبة، لم تزل تحلّق في فضاء بعيد كل البعد عن واقع الأسواق التي حطّم مؤشر ارتفاع أسعار موادها وسلعها كل الأرقام القياسية إلى درجة أنه التهم كلّ القدرة الشرائية لأغلب المواطنين …
ومن هنا لا يسعنا ونحن نستعدّ لاستقبال شهر رمضان إلا القول: إنه رغم الإجراءات والقرارات والضبوط التي وصلت إلى الآلاف خلال الفترة الماضية، فإن واقع أسواقنا لم يزل يشير إلى عجز متجذّر عن ضبط وخفض أسعار المواد والسلع والخدمات، وسط سيطرة حيتان الاستغلال والاحتكار وتجار الأزمة على مقدّرات لقمة عيش الأسر التي تنوء تحت ثقل المزيد من الأعباء المادية….
ومع أننا مدركون تماماً لحجم الأزمة وآثارها السلبية، والمعاناة الناتجة عنها، التي استغلها بعض ضعاف النفوس المتاجرين بحاجات الناس، نعيد تأكيد ضرورة اتخاذ إجراءات استثنائية عاجلة تفرض ضبطاً حقيقياً للأسواق يحدّ بشكل نهائي من جميع التجاوزات الحاصلة، ويخفف عن المواطن المستهلك الذي يحتاج بشكل إسعافي إلى حماية حقيقية تتجسّد على أرض الواقع، إجراءاتٍ صارمة تراقب وتعالج وتضبط وتعاقب، وتقتلع كل بؤر الفساد والغش والتلاعب بقوت الناس من جميع المفاصل، وتعيد شيئاً من توازن المعادلة الشرائية بين قدرة المواطن واحتياجاته وأسعار السوق.
عندها فقط، يحق للجهات المعنية، الإعلان عن إجراءاتها الصارمة لضبط الأسعار والأسواق، ويحق للمواطن المستهلك أن يلمس شيئاً من إيجابية هذه الإجراءات على أرض الواقع، ولو بحدودها الدنيا.
محمد الآغا