بين قوسين احذروا سيناريوهات الإعمار “المفخخة “
لم تطلب حكومتنا حتى الآن مساعدة منظمة “الإسكوا” لإعداد “مشروع الأجندة الوطنية لمستقبل سورية”، فلم يسبق لسورية في تاريخها أن طلبت من الخارج المساعدة بتحديد مستقبل خياراتها السياسية والاقتصادية، فكيف إذا كان هذا الخارج منظّمات تأتمر بالقرار الأمريكي؟.
بل إن حكومتنا لم تطلب من المنظمات الدولية والأمريكية أو من أي بلد تنظيم ورشات أو ندوات أو مؤتمرات لمناقشة أوراق عمل حول موضوع إعادة الإعمار “كمنتدى رجال الأعمال السوريين” الذي عُقد مؤخراً في بيروت.. فمثل هذه الفعاليات تعقد في سورية حصرياً لأنه أمر يخصّ السيادة السورية الرافضة لأيّ تدخلات خارجية بشؤونها السياسية والاقتصادية.. فكيف إذا كان هذا التدخل عن طريق منظمات تأتمر بالقرار الأمريكي أو من شخصيات لا تخفي عمالتها للخارج؟!.
ويبدو من خلال المنتدى المذكور وما يشبهه أن أمريكا تستعدّ من خلال منظمة الاسكوا للانقضاض “اقتصادياً” على سورية ومن ثم مصادرة قراراتها وخياراتها السياسية، وهل هناك أقرب من الدخول إلى بلدنا من باب إعادة الإعمار لتأخذ بالاقتصاد ما عجزت عنه في الحرب؟.
“كبير الاقتصاديين ومدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة” في منظمة الاسكوا المدعو عبد الله الدردري؟؟!!..، أكد بوضوح ما بعده وضوح ما تريده أمريكا من سورية في القادم من الأيام عندما دعا في المنتدى إلى الاحتذاء بأنموذج إعمار لبنان..!.
وهذا الأنموذج الذي أطلقه ونفذه رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري بدعم سعودي، هو فعلاً الأنموذج المطلوب للاستحواذ على سورية إلى الأبد والهيمنة عليها سياسياً عبر البوابة الاقتصادية، تماماً كما حصل مع لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي!.
فما ترجمة “الاحتذاء بأنموذج إعمار لبنان”؟
إنه استسهال الاستدانة من الخارج أو من مؤسسات وشخصيات من الداخل مرتهنة للخارج، وفتح مجالات الدولة ووظائفها أمام القطاع الخاص ليشفط منها ما يشاء دون رقيب أو حسيب!.
لقد كان كبير اقتصاديي الإسكوا الناطق غير الرسمي باسم البنك الدولي والأمريكان صادقاً جداً بقوله: لسنا هنا لتقاسم كعكة إعمار سورية!.
هو صادق لأن أمريكا لا تتقاسم الكعكة مع أحد، وإنما ترمي بفتاتها فقط إلى أدواتها في أوروبا والمنطقة!.
كبير اقتصاديي الإسكوا وممثل الأمريكان عرض على الحكومة السورية الخيارات المتاحة أمامها في السياسات الاجتماعية الكلية وإعادة الإعمار كنوع لا يمكن وصفه إلا بالإملاءات: يقضي التسليم بضرورة الاستدانة لتمويل إعادة الإعمار وفق التجربة اللبنانية والارتكاز على القطاع الخاص في إعادة هيكلة المؤسسات وتعديل القوانين بما يتناسب مع هذا الغرض!.
طبعاً كبير اقتصاديي الإسكوا والممثل غير الرسمي للبنك الدولي في سورية، يستخفّ بعقولنا عندما يتجاهل الإشارة إلى أن التجربة اللبنانية أنتجت نموّاً مشوّهاً قطاعياً ومناطقياً، وبتكلفة فلكية رتّبت ديناً عاماً قياسياً وتاريخياً لمصلحة فئة قليلة جداً وعلى حساب كل المجتمع..
حسناً إذا اضطرت سورية إلى الاستدانة لتنفيذ مشروع الإعمار، ونعتقد أن كبير اقتصاديي الإسكوا ليس ساذجاً إلى درجة لا يعرف فيها الجواب عن هذا السؤال، فهل ستقترض من الدول التي شنّت عليها حرباً كونية على مدى أكثر من ثلاث سنوات، أم من الدول الحليفة والصديقة التي مدّت لها يد العون والدعم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي.. إلخ؟.
قلناها منذ سنوات: احذروا الدردري.. فالقادم أعظم!.
علي عبود