الأعمال الحكومية بين يدي القطاعين العام والخاص
لسنوات خلت تابعت الدوريات الإعلامية الورقية، نشر الكثير من الأخبار التي تفيد بأن بعض العاملين في جهاتنا الحكومية قاموا بجهد ما (عملي أو فكري) لصالح الجهات التي يعملون فيها (تطوعاً أو تكليفاً)، ما وفَّر على خزينة الدولة الكثير من المبالغ المالية، فيما لو قامت به جهة خاصة محلية أو أجنبية، ومنها الخبر الذي نشرته صحيفة “البعث” في صفحتها الأولى ليوم 30/4/2014 والمتضمّن المشروع الوطني لترقيم الثروة الحيوانية، والذي أعدّته وتنفذه الخبرات الوطنية المحلية، بكلفة تقل كثيراً عن الكلفة التي كانت ستكون لو تمّ شراؤه من الخارج، ومع ذلك يندر أن يحصل منفذو هذه الأعمال على تقدير معنوي أو مادي يوازي حجم عطائهم، علماً أن معظمهم لا يبحثون كثيراً عن ذلك، قناعة منهم أن ذلك جزء من عملهم اليومي في إدارتهم، وأنهم يعطون الوطن الذي هم مدينون له.
ولكنهم جميعاً يستاؤون عندما ترى أعينهم صرَف المبالغ الضخمة على آخرين يُتَعاقَدُ معهم من خارج الملاك، ومبالغ أضخم بكثير على من يُستقدمون من الخارج باسم خبرات، مستغربين الكثير من ذلك!!.
هذا الواقع هو حال هذه الإدارة أو تلك، التي تملك العديد من الكفاءات والمهارات القادرة على تنفيذ الكثير من هذه الأعمال، ولكن خطأ الإدارة –وأحياناً كثيرة سوئها- يحيِّد الكفاءات الموجودة لديها جانباً، جهلاً أو تجاهلاً لإمكانات عامليها، أو عمداً بهدف استقدام آخرين لغاية تحقيق منفعة شخصية بالآلاف، يترتب عليها إلحاق الضرر الكبير بالمنفعة العامة وبالملايين. عدا عن أنه تبيّن أكثر من مرة، أن الجودة والمنفعة المتحققة أقل بكثير من الجودة والمنفعة فيما لو تمّ إنجاز العمل على يد الكفاءات الإدارية المحلية، ورغم أن ذلك انكشف مراراً، إلا أنه يندر أن سمعنا عن جهة ما –إدارية أو رقابية– قامت بالتحقيق في حالة من حالات عديدة كهذه، لمعرفة وتبيان حجم الخسارة التي لحقت بالمال العام، جراء تنفيذ العمل خارج الإدارة، وتعقب مدى الوفر الذي كان يجب أن يتحقق فيما لو تمّ تنفيذه في ضوء إمكاناتها، ومساءلة ومحاسبة المعنيين بذلك، مع ضرورة إشهار كل ذلك عبر الإعلام، ليتعظ أهل السوء وتبتهج نفوس الخيِّرين.
لا خلاف أنه قد يكون من الضروري أن تستعين هذه الإدارة أو تلك بآخرين من خارجها، في حال لم يكن باستطاعتها تنفيذ ذلك ضمن إمكاناتها، علماً أن واقع الحال -وبكل اعتزاز- مازال يظهر أن الكثير من الإدارات يملك مهارات بشرية وإمكانات وآليات ومعدات، تمكنها من تنفيذ العديد من أعمالها، رغم الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها البلد، ولكن من المؤسف أن تجاهل بعض الإدارات لإمكانات عامليها مازال قائماً ومستمراً لدى أكثر من إدارة، وبلا حياء ولا خوف ولا خجل، يتمّ –تحت حجج واهية- تنفيذ العديد من الأعمال عبر جهات القطاع الخاص المحلي أو الخارجي -المتعددة الأنشطة تحت مسميات عديدة- وبكلفة تزيد كثيراً، وربما بجودة أقل، عما لو تم تنفيذ العمل لدى الجهة نفسها، وفي حال أثار أحد العاملين ذلك شفاهة تنقلب الدنيا عليه، وفيما إذا أثاره خطياً بحقائق ووثائق، ووصل الأمر إلى الجهات الرقابية، يجتمع عليه الأنس نهاراً والجن ليلاً!.
لا بل إن بعض الذين أشاروا إلى هكذا حالات من أصحاب الكفاءات ومن غيرهم، تعرَّضوا لمضايقات إداراتهم، أكان ذلك تحجيماً أو تقزيماً أو نقلاً تعسفياً، وأحياناً أكثر من ذلك، ما يستوجب أن تصدر الجهات الأعلى تعاميم وبلاغات إلى جميع الإدارات تنبّهها إلى ضرورة استثمار كامل طاقة عمالها في تنفيذ أعمالها، وتوجِّه بنشرها في لوحة الإعلانات، وتلاوتها في اجتماعات اللجان والاجتماعات العامة، على أن تتضمّن نصاً يقرر منح مكافأة مجزية لكل عامل متميِّز مبدع بعطائه، أو يشير إلى استقدام إدارته لآخرين من خارجها، لتنفيذ أي عمل، في حال كان لدى إدارته إمكانات إنجاز هذا العمل، على أن يترافق ذلك مع فتح الباب على مصراعيه أمام الإعلام، لتمكين أحقيته وواجبه في كشف كل شيء على العلن.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية