نقطة ساخنة أبطال الظل
في علم الاقتصاد، لا يقلّ التسويق أهمية عن بقية حلقات العملية الإنتاجية، وفشل هذه الحلقة يعني فشل العملية برمتها.
رغم أن التسويق أصبح علماً يُدرس في كبرى الجامعات العالمية ضمن قواعد وأصول وأدبيات، إلا أنه وللأسف لم يُعتدّ به كركن أساسي في اقتصادنا الوطني، ويؤخذ على مأخذ الجد كما يجب، إلا في الحدود الدنيا.
الأمثلة على ذلك عديدة.. فكثيراً ما نسمع عن مسابقات لأبطال الإنتاج في مؤسساتنا الاقتصادية العامة، وتصديهم لإنتاج أكبر كمية ممكنة من المواد والسلع، زراعية كانت أم صناعية، ويحصد من يفوز باللقب جوائز مادية ومعنوية وأحياناً يتوّج بترفيع وظيفي، إلا أن هذه المؤسسات التي حقّقت مآربها من مسابقات هدفها الوحيد تحقيق فائض إنتاج ونيل بقعة ضوء إعلامية، بغض النظر عن تسويقها، ابتليت بمنتجات مكدّسة في المستودعات، بعيداً عن التوضيب والتغليف المناسبين، إلى جانب عدم الترويج له كما يجب، على أمل أن يحظى بطلبية هنا أو تصريف لجهة ما هناك، مشوبتين بطابع البيع الإجباري.
ما نودّ التركيز عليه في هذه العجالة هو ضرورة دراسة السوق المستهدفة ومدى حاجة شرائحها للسلع والمواد المُراد إنتاجها، إضافة إلى آليات وكيفيّة التوزيع في الوقت المناسب، فضلاً عن عمليات التوضيب والتغليف والعرض على واجهات ورفوف المحلات، وهذا الأمر يستوجب تفعيل أقسام ومديريات التسويق في مؤسساتنا العامة، واعتماد برامج كفيلة بضخ منتجاتنا، ليس في الأسواق المحلية وحسب وإنما الخارجية أيضاً.
الحديث عن التسويق لا ينسحب فقط على الإنتاج السلعي المادي، بل على الإنتاج الفكري والإعلامي، وبرأينا لا نجانب الحقيقة إن قلنا: إن إعلامنا لا يزال يفتقد ثقة من يستهدف من الشرائح، بسبب عدم قدرته على إيصال ما يبتغي من الرسائل، نظراً لوجود قناعة راسخة لدى بعض الزملاء وخاصة العاملين منهم في مجال المطبوع منه بأن (لا أحد يقرأ)، وبالتالي استسهال الكتابة وتسليط الضوء على الأخبار الرسمية البروتوكولية، علماً أن هناك مواد صحفية على غاية كبيرة من الأهمية والعمق والنقد البنّاء تحتاج إلى ترويج، ونعتقد أن ترويجها يعتمد بالدرجة الأولى على صانعيها.
فأبطال إنتاجنا المادي منه والفكري يتسابقون لحصد جوائزهم في الظل بغض النظر عن أثر هذه المنتجات، ومدى إشباعها لحاجات الشرائح المستهدفة، وبالتالي ستكون عبارة عن مخلّفات مآلها التلف، أو أفكار لا تُغني ولا تسمن من جوع.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com